محمد بن عيسى الكنعان
في شهر يونيه من العام الماضي (2014م) تمكنت قوات تنظيم (داعش) العراق من السيطرة الكاملة على مدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين العراقية ذات الأغلبية السنية، إلى جانب سيطرة التنظيم في ذات العام على محافظة الموصل كاملةً، وهي ثاني أكبر محافظات العراق. لذلك صار القضاء على هذا التنظيم في تكريت، أو إخراجه منها في قمة أولويات حكومة حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، الذي لم يتردد في دفع قوات الحكومة العراقية للهجوم على مدينة تكريت ومحاصرتها في فبراير 2015م، من خلال الاستعانة بجهود قوات (الحشد الشعبي)، وهي قوات شعبية شيعية متطرفة، تجاوز عددها 30 ألف مقاتل، ومعونة عسكرية من الإيرانيين عن طريق قاسم سليماني قائد (فيلق القدس) التابع للحرس الثوري؛ تمثلت بالمقاتلين، والسلاح النوعي، والاستشارات العسكرية، وأيضاً مشاركة الأمريكيين الذين نفذوا القصف الجوي المكثف بعد فشل الطيران العراقي.
وبالفعل؛ استطاعت قوات الحكومة العراقية، ومعها الأمريكيين والإيرانيين وقوات الحشد الشيعي هزيمة (داعش)، فخرج مقاتلوه من تكريت واتجهوا نحو الرمادي عاصمة الأنبار، التي تعتبر من أبرز محافظات العشائر السنية. غير أن مأساة تكريت السنية لم تنته بخروج (داعش)، فقد خرج إرهاب هذا التنظيم ليحل مكانه إرهاب الحشد الشعبي، أو بالأصح (الحقد الشيعي)، الذي أمعن القتل في أهل السنة بمشاهد مروعة، والقيام بأبشع الجرائم الإنسانية من حرق وتدمير للناس والبيوت والممتلكات. وكأن أهل تكريت لا يعيشون في دولة، ولا يتعاملون مع حكومة، إنما عصابة أطلقت قطعانها للنهب والقتل والسلب في حق سكان تكريت، الذين كان كل ذنبهم أنهم سنة، ومدينتهم احتلت من تنظيم إرهابي، فوجب تخليصها بالقصف العشوائي، سواءً كان بطيران أمريكي أو عراقي، وتركها فريسة للحقد الشيعي من ميليشيات متطرفة.
في ذات السياق لهذا المسلسل الدامي؛ نجح تنظيم (داعش) قبل أيام في إحكام قبضته على ثلثي مساحة محافظة الأنبار (70%) بعد أن دخل مقاتلوه عاصمتها الرمادي، التي تعد من المحافظات الإستراتيجية، كونها تربط العراق مع ثلاث دول عربية هي المملكة، وسوريا، والأردن. ما دفع أهل الرمادي وكثير من سكان الأنبار للخروج منها، هرباً من الموت، والتوجه إلى بغداد على اعتبار أن هناك (حكومة) في العاصمة توفر لهم الحماية، ولا تتركهم لقطعان الشيعة المتطرفين، أو للجوع والموت البطيء، كما حدث خلال وبعد أحداث تكريت.
فلماذا هرب سكان الرمادي والأنبار عموماً بعد سيطرة (داعش) مباشرةً؟ لأنهم يدركون السيناريو الدامي المتوقع للأحداث المقبلة - والعلم عند الله وبمشيئته - بأن تتكرر مشاهد القتل، وجرائم الحرق، والتدمير بنسختها (الأنبارية)، خصوصاً أن قوات (الحقد الشيعي) التي تُسمى زوراً الحشد الشعبي تتمركز الآن شرق الرمادي، بعددها وعتادها البالغ قرابة 50 ألف مقاتل، استعداداً لاجتياحها بعد هزيمة (داعش)، فالتحضيرات العسكرية للحكومة العراقية جارية، والتنسيق مع الأمريكان والإيرانيين على قدم وساق، خصوصاً بعد القلق الذي أبداه البيت الأبيض على سقوط الرمادي بيد (داعش) حتى وصفه: بالانتكاسة لكل الجهود لإقرار الأمن في العراق. وكأن هذا الاستقرار المنشود لا يكون إلا على حساب أهل السنة بعد فصول دامية من الذبح (الديمقراطي). والأغرب من كل ذلك أن (داعش) لا يهاجم إلا المدن السنية، بحيث يدخلها ثم يسيطر عليها ثم تجري فصول الحرب، فيخرج هذا التنظيم الإرهابي مهزوماً، ليحل محله تنظيمات شيعية متطرفة ترتكب إبادات بأهل السنة. إنها إيران الصفوية المجرمة.