محمد بن عيسى الكنعان
عندما يبعث رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أحد المقرّبين له كالأمين العام لمجلس الوزراء علي محسن العلاق؛ إلى المرجع الديني الشيعي علي السيستاني، ملوحاً بالاستقالة من رئاسة الوزراء، ما لم يتدخل السيستاني في وقف أعمال ما يُسمى (الحشد الشعبي) الشيعي في منطقة الأنبار،
فاعلم أنك أمام واقع سياسي طائفي، بل أمام نظام سياسي يمكن أن يكون أي شيء بعالم السياسة، ويحدد بأي وصف، إلا أن يكون (دولة)!! حتى لو كان هذا النظام يملك حكومة وجيشاً يديران البلاد.
العبادي هنا لا يستنجد بالسيستاني باعتباره المرجع الديني الأعلى عند شيعة العراق، ولا يريد وساطته بحكم مكانته الدينية بين التيارات والأحزاب العراقية، ولا يريد موقفه التوفيقي باعتباره عالم دين يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية كما يحدث في كثير من الدول العربية، كون عالم الدين لا يزال يحظى بالقبول الشعبي، إنما العبادي بهذا التصرف الذي لا يليق بقائد حزب؛ فضلاً عن رئيس وزراء، أنه يعترف بأن القرار العراقي بيد السيستاني وليس بيد الشعب العراقي، وأن رئاسة الوزراء العراقية خاضعة للمرجع الديني وليس للدستور العراقي، ما يعني أن النظام السياسي أشبه ما يكون بإقليم ذاتي ملحق بدولة ولاية الفقيه الإيرانية.
ما يعني أن العراق ليس دولة ذات سيادة ومؤسسات وجيش وفق مفهوم الدولة التقليدية أو القديمة. فما بالك أن يكون وفق مفهوم (الدولة الحديثة)، التي تتميز بالسيادة الكاملة على أراضيها، ونظامها، وشعبها، وقرارها، من خلال السلطات الثلاث: (التنفيذية، والتشريعية، والقضائية). بوجود مؤسسات سيادية وخدمية ومدنية، وبرلمان منتخب يمثِّل كل مكونات الشعب العراقي، وجيش نظامي يخضع للدستور ويحمي كيان الدولة وحدودها، ولا تستأثر به طائفة أو حزب. غير أن تلك السلطات غير موجودة أساساً في العراق، المحكوم أصلاً من قبل حكومة طائفية، تأتمر بالمرجع الديني السيستاني، الخاضع أصلاً لإيران، ما يعني أن العراق فاقد السيادة تماماً، كونه ضمن الأقاليم الإيرانية، وإن شئت (المشروع الصفوي)، وهذا ما عبّر عنه علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عندما قال: «إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي»، في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها (موقع العربية نت).
أضف إلى ذلك؛ أن البرلمان العراقي مختطف من حزب معيّن ينتمي لطائفة محددة، ولا يعبّر بشكل حقيقي عن فسيفساء الشعب العراقي، أما الجيش فقد صُنع على يد الاحتلال الأمريكي، دون أن يتأسس على عقيدة عسكرية واضحة، حتى إنه لا يوازي في قوته ما يُسمى قوات (الحشد الشعبي)، وهي مجموعات عصابات شيعية متطرفة، تنافس في أعمالها الإجرامية ما تقوم به ميلشيات الأحزاب الشيعية العراقية، التي تتستر بأسماء وهمية كـ(فيلق بدر ولواء الفضل بن العباس وعصائب الحق وغيرها)، كون الأحزاب لا ترغب في أن تبدو على طريقة ما يُسمى (حزب الله) اللبناني، الذي يجمع علناً بين الجناحين السياسي، والعسكري. لذا تظهر الأحزاب العراقية الشيعية كواجهات سياسية في الساحة العراقية، بينما هي في حقيقتها ميلشيات عسكرية، ذات عقيدة مذهبية واحدة تأتمر بأمر إيران، وتمارس أعمالاً إرهابية ضد أهل السنة العراقيين بدلالة مشاركتها في الحرب داخل سوريا إلى جانب نظام بشار الإرهابي.
من هنا فالعراق اليوم (حكومة بلا دولة)، وهذا يعني أن العراق العربي العظيم مقبل على التقسيم إلى ثلاث دول (كردية، وسنية، وشيعية)، كبداية لمشروع (سايكس بيكو) الجديد في المنطقة العربية، برعاية غربية واضحة، وهذا يفسر ظهور تنظيمات سنية وشيعية إرهابية كـ(داعش) وغيره، تذكي حروباً طائفية في البلدان العربية، حتى صارت كالسوس الذي ينخر في جسد الأمة العربية ليتم تفتيته إلى دويلات هشة تجعل من الدويلة الصهيونية الكيان الأقوى والمتفوّق بالمنطقة.