د.ثريا العريض
هناك مواقف يعجز فيها المرء عن التعبير عن كل ما يحس به من مشاعر.
أعزي نفسي وأهلنا في القديح والمنطقة الشرقية والوطن وقياداته في ما جرى يوم الجمعة الماضي في القطيف.. رحم الله الشهداء وجمعهم في جنته مع عباده الأبرار.. وعظم الله أجر ذويهم وربط على قلوبهم وألهمهم الصبر والسلوان. حسبنا الله ونعم الوكيل.
مرت بضعة أيام على حادثة تفجير مسجد القديح يوم الجمعة الماضي وقد فاجأني الخبر المرعب يومها دقائق بعد انتهائي من الصلاة في الرياض.. لوهلة توقفت عن قدرة التفاعل الذهني الهادئ. تولدت في مشاعري خلطة فاتكة من حرقة الألم والحزن والغضب وشرار أسئلة كل إجاباتها معروفة ما عدا سؤال واحد: ماذا يجب أن نفعل ليتوقف هذا التسرطن الفكري المغالي في الغلو والداعي إلى الإقصائية؟.. وها نحن نراه وهو يتمادى فيمارس الولوغ في استسهال الدموية والقتل بتقصد صاعداً من المناداة بالتفرقة والتصدع والعنف إلى ممارستها علناً في وضح النهار في بيوت الله؟.
تابعت ما استعرضته البيانات الرسمية ووسائل الإعلام وما نشر في تويتر وبثته الرسائل الشخصية على الواتساب من تفاصيل الخبر والصور الدموية، وأحسست بمشاعري توازيها متصاعدة في الغضب, ومتعاطفة بالألم وكأنني أتمزق معها. وقرأت مئات عبارات التفاعل من الآخرين متعاطفين مع مصيبة ذوي الشهداء والمصابين فهدأ من روعي قليلاً.. وتذكرت ما كنت أكره أن يصلني في تويتر من تغريدات تعيد نشر آراء تؤلب للطائفية وتنحدر إلى استخدام تعبيرات نابية في تصنيف المذاهب الأخرى, بل وتدعو صراحة إلى تطبيق ما تقوم به داعش على «الكفار»!!.
وما زلت كغيري من الواعين أتساءل: كيف ما زال مثل هؤلاء يجدون الطريق مفتوحاً إلى المنابر الإعلامية والتواصل للحض على المنكر والتدمير؟.. وما أشبه اليوم بالبارحة!! ألم نمر بمثل هذه المصيبة يوم تفجير الدالوة في الأحساء؟ كان ذلك في محرم الماضي ونحن اليوم في شعبان. ولاشك أن المخطط للجريمة ما زال مصراً على تكرراها والضرب في نفس الموقع الموجع لإحداث ما عجز عن إحداثه من قبل؛ استثارة أفراد من الطائفة الشيعية لردود فعل غاضبة تنتقم من الطائفة السنية بجريمة مماثلة!.
قد نعجز عن الاتفاق الآن على تحديد من هي الجهة التي تقف وراء هذه الأعمال الإرهابية والمخططات الشريرة. وقد سمعنا وقرأنا ما نشرته داعش ناسبة «نجاح» هذه الجريمة إليها, كما قرأنا من يتهم إيران ومسؤوليها بالوقوف وراءها مستشهداً بتهديداتهم. وهناك من يمد احتمالات تقديراته إلى البحث عن أصابع الموساد, وحتى مخططات «الفوضى الخلاقة» وخرائط الشرق الأوسط الجديد, في مواصلة لما حدث في كل الجوار الشرق أوسطي منذ تفجيرات نيويورك 2001.
لنركز على المجال القريب؛ أعلم أن وزارة الداخلية جزء لا يتجزأ من التزام القيادة بمبدأ حماية كل المواطنين وحقهم في العدل والمساواة. وأنها تغطي خارطة بلادنا الشاسعة بمتابعة دقيقة. وأعرف أن جهاز الاستخبارات فيها نشيط وفاعل, وقد أحبطت جرائم أخرى في نفس الجوار. وأعرف أيضاً أن التركيز على حماية جبهات التماس في الشمال والجنوب يشغلها بما فيه الكفاية, ومع هذا فأعينها الساهرة ليست مغمضة عن المناطق الأخرى وما يجري فيها من محاولات تصديع الوطن.. ويبقى أن تظل الثقة قائمة بين القيادة والمعرّضين في مناطق التصدع لمحاولات التأثير والتأليب المقصود.
هناك من يحاول أن يجعل البشر المتألمين مخالب قطط لتنفيذ خطط جهنمية تواصل التدمير.
طالبنا في مجلس الشورى بنظام حاسم لتجريم الأفعال والأقوال التي تحض على الكراهية وبنظام حازم للوحدة الوطنية. وأدعو القيادة الحكيمة لتطبيق مبدئها في الحسم والحزم فعليا بمحاسبة ومعاقبة أبواق الشر ومنع الموجودين منهم في الداخل من المنابر ووسائل الإعلام ومناهج التعليم. بعضهم يؤجج باسمه الصريح في تويتر مؤلباً الكثير من المتابعين له معتمدين أفكاره التدميرية. وبعضهم كالثعبان، يغير جلده كلما دعت الحاجة ويظل قادراً على بث السم في عقول وأفعال النشء.
لنبن الشعور بالمواطنة بتجريم الكراهية بحزم حاسم.
وليكن موسماً لتطهير الوطن من مصانع السموم والمفجرين.