كوثر الأربش
نحن مصابون بقصر نظر.
نحن لا نرى الخط الرفيع بين الكراهية والقتل!.. ما نراه هو فقط المكتوب بالبنط العريض.. وبهذا نفتقد حس الوقاية، وحين تقع الكارثة نفزع للحلول الأخيرة.. في كل مؤسسة لا بد أن تُوضع خطة لإدارة المخاطر والأزمات. تمتلك فريق عمل عالي الحس بخصوص اكتشاف المشكلات قبل وقوعها.. تشم رائحة الدخان قبل أن يحترق المكان كله.. لكننا لا نشم ولا نرى، بل نعيش غفلة شعور حتى إذا ما اشتعلت الدار صرخنا: النجدة!.. وهذا خطأ فادح ويُودي بالفناء لأي مؤسسة أو مجتمع.
حادثة تفجير مسجد في القديح تصدّرت أنباء الساعة، الفزع، التحرك السريع من الأهالي والدولة في إسعاف الجرحى والقبض على الجاني.. وكالعادة اختلف الناس في مواقع التواصل في تسمية الضحايا (شهداء أم لا؟). الطائفيون يحاولون الاصطياد في الماء العكر - كالعادة - البعض مستبشر نكاية بالآخر، والبعض مستغلاً الحادثة للمطالبة بحقوق مُفترضة.. بيّنات المثقفين وتغريدات تُتداول على قدم وساق.. وفي غمرة هذه الأحداث السريعة والمتوقعة.. يغيب حس الوقاية، اكتشاف المشكلة، تلمُّس الخطر قبل وقوعه.. ولو امتلكنا هذا الحس، ودققنا في بعض ردود الأفعال سنعثر في طياتها على بوادر إرهاب أيضاً!
كيف؟
الإرهاب لا يُولد بصورته الدموية أولاً.. إنما يبدأ من تعبئة النفوس بالكراهية والنبذ.. لتصنع قاتلاً عليك أولاً إفساد قلبه، وفكره!.. لا يمكن أن يجرؤ إنسان سوي للقتل إلا حين تتشوّه صورة الآخر في ذهنه، وتختل موازين الباطل والصلاح.. إذا بدأ بذلك الشعور اليقيني والعارم بضرورة إقصاء الآخر فكرياً، فإن مسألة تصفيته جسدياً ستكون إحدى النتائج الحتمية.. فما شاهدنا من ردود أفعال البعض الإقصائية للآخر تنبأنا بالمزيد من الإرهاب.. لذا قبل أن تُحارب الإرهاب عليك أن تُميت الكراهية.. قبل أن تُسعف الغريق علّمه تقنيات السباحة.. الكراهية هي سرطان أي مجتمع، وإفشال لأي مشروع مهما كان تصنيفه.. متى نُعلّم أطفالنا قيمة الحب؟.. متى يستوعب طلابنا قيمة احتواء الآخر وحقه في الحياة؟.. متى تصبح القيمة الأولية هي قيمة المشاركة في الوجود، وليس تنازع الوجود؟.. متى نميت الأنانية وسلب الآخر أبسط حقوقه بأن يكون هو؟
الغريب أن أغلب المطالبين بتجريم الطائفية كتبوا بياناتهم بلغة تفوح بالكراهية!.. يطالبون بالإصلاح بأدوات الفساد!.. فلا أدري كيف نبني بيتاً على أرض رخوة؟.. كيف نحمي تماسكنا بالمزيد من التفكيك والتصنيف؟!
إن مسؤولية الأمن في بلادنا الطيبة لا تقع على كاهل واحد.. هادم واحد بإمكانه تقويض بناء ألف بنّاء.. فما فائدة المطالبة بالقانون في ظل وجود قناعات داخلية راسخة بأن حق الوجود حكر.. النرجسية المقيتة بأنك الأفضل والأحق والأجدر.. إن مجرد هذا الشعور وإن كنا نراه صغيراً وتافهاً، لكنه قابل للتضخم والتطور لرغبة مُلحة بقتل الآخر.. إنه ذات الحس الوقائي الذي تحدثت بداية المقال.
لنحب أكثر.. لنتعلم كيف نحب وحسب!.