د. محمد عبدالله العوين
إثارة الفتنة الطائفية بين شعوب المنطقة فقرة مهمة من فقرات مخطط تفتيت المنطقة؛ أكد عليها برنارد لويس، وقد سبق هذا الصهيوني المدعو لويس أباطرة الاستعمار البريطاني ؛ فبعد أن تقاسم المستعمرون الأمة العربية كغنيمة جاهزة وفق اتفاقية سايكس - بيكو على إثر سقوط الخلافة العثمانية رسم الإنجليز والفرنسيون حدودا ملتبسة بين عدد من دول المنطقة، كما حدث في فلسطين حيث زرعوا كيانا غريبا مكونا من شتات اليهود في كل دول العالم، وكما حدث بين مصر والسودان اللتين كانتا دولة واحدة شمال الوادي وجنوب الوادي، وبين الجزائر والمغرب؛ فقد أخذوا من هذه الدولة وأعطوا تلك، ومنحوا صكوكا لدول أخرى على أراض لا تملكها وعلى شعوب لا يدينون لها بالولاء؛ كما حدث مع الشعوب المحيطة بإيران.
وقد عادت خطة إثارة القلاقل وزرع بذور الفتنة بين الطوائف والشعوب مع تجدد مشروع تفتيت المنطقة؛ فقد قبض في الإسكندرية بعد ثورات ما سمي زورا بالربيع العربي على رجلين يوزعان عشرات الآلاف من الدولارات على ناشطين في أحزاب ومنظمات ثورية، واكتشف أنهما من رجال الاستخبارات الأمريكية والبريطانية.
واكتُشف رجال استخبارات بريطانيون في ليلة مظلمة «يشركون» مسجدا كبيرا في بغداد بعد أن رحل الاحتلال الأمريكي وسلم العراق للإيرانيين، مما دعا إلى التبليغ عن العمل الإجرامي الكبير الذي كان يهدف إلى إثارة الفتنة بين السنة والشيعة، وهو ما تكرر في مناسبات شيعية أو سنية؛ ولكن الأكثر عجبا أن تتولى إيران نفسها عن طريق عملائها تفجير المراقد الشيعية والحسينيات والمسيرات؛ لكي توقد فتيل الصراع بين الطائفتين، ولتجد مسوغا مشروعا - كما تدعي - لدعم الشيعة المستهدفين بالعداء من السنة، ولإمدادهم بالسلاح وتكوين مليشيات شعبية جوالة تنشر الموت والانتقام البشع وتقوم بالتصفيات على الاسم والهوية وتقتل الأبرياء وترميهم في الشوارع كحيوانات سائبة؛ كما حدث في شوارع بغداد، أو تغير على مدن وقرى السنة وتوقد فيها النيران وتغتصب وتمثل وتنبش القبور كما حدث في تكريت وغيرها مما صورته الكاميرات وتحدث به الشهود إدانة لما اقترفه ما سمي بالحشد الشعبي الذي دعا له متطرفو المراجع الشيعية ودعمته إيران؛ ليكون أداة القتل والانتقام من العرب السنة مكملا لما ترتكبه « داعش « من جرائم وحشية بصورة جماعية في القبائل والفصائل والأقليات والديانات الأخرى مما هو معروف ومثبت؛ بحيث تشمل الوجبة الواحدة - كما يسميها العراقيون - آلاف الضحايا الذين يحفر لهم قبور جماعية على صورة أخاديد طويلة لتتم تصفيتهم في وقت واحد تحت صيحات « الله أكبر « وكأن ما تقوم به داعش جهاد في سبيل الله، وهو في حقيقة الأمر ليس إلا تنفيذا لمخطط تمكين الفرس والقضاء على السنة بحجة الردة أو الكفر؛ لعدم مبايعتهم أو إذعانهم للخليفة المزعوم.
ويتم الآن توسيع محيط الفتنة الطائفية بتخطيط إيراني وتنفيذ سني، وهنا تكمن المفارقة؛ فقد اخترقت إيران بالاتفاق مع منظومتها الدائرة في فلكها الجماعات الجهادية القديمة في العراق ثم سوريا كجماعة الزرقاوي ومن جاء بعده، وأدخلت إليها عناصر ارتدت مسوح الأولياء والصالحين وتحدثت بمنطق المجاهدين والأتقياء الورعين؛ ولكنهم يعملون وفق الرؤية الفارسية؛ ولهذا انشق فصيل كبير عن داعش وأسموا أنفسهم بـ»جبهة النصرة» ملتزمين بفكر القاعدة التكفيري وخطاب أبي مصعب الزرقاوي المؤسس الأول لبذور القاعدة في العراق؛ لأنهم اكتشفوا أن « داعش « لا تمثل فكر القاعدة الأصلي؛ بل تدعيه ويتبعها المندفعون من الشبان دون وعي بغايات من يقودونها.
وما حدث في الدالوة قبل أشهر قليلة، وتكرر قبل يومين في القديح هو صورة آثمة من المشروع الإيراني ينفذ بأيد سنية تكفيرية متطرفة من أتباع داعش؛ لتأجيج الصراع الطائفي؛ كما حدث في اليمن، حيث فجر الحوثيون مئات المساجد؛ ولكن وجه الاختلاف أن من ارتكب وزر الجريمة في بلادنا من أبنائنا المخدوعين، وهذا موضع مقال قادم.