يوسف المحيميد
أتذكر قديماً في بعض أحياء بريدة، ولا أعرف إن كان هذا الموقف موجوداً حتى الآن أم لا، أن بعض محلات البقالة، أو المقاصف كما يسميها أهل بريدة، تمتنع عن بيع الدخان والصحف، فالجريدة في عرف البائع هي منكر، وتجلب الضرر كالسجائر، ويحظى مثل هذا البائع بدعم ومباركة العملاء والمشترين، حتى لو كان سيّئ الخلق والمعاملة!
هذا الموقف الغريب، المتشدد والرافض للإعلام، الحذر من التعامل مع الجريدة، واعتبارها رجساً يجب اجتنابه، ذكرني بموقف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرافض لفتح قسم الإعلام للطالبات، وقصر دراسة الإعلام على الطلاب الذكور، وذلك على مدى أربعة عقود، وكأن دراسة الإعلام أو العمل فيه منكر، في الوقت الذي صنعت الأمم حضاراتها وقوتها من وسائل الإعلام المختلفة، التي يشتغل فيها الذكور والإناث على حد سواء!
بعد كل هذه السنوات الأربعين، قررت جامعة الإمام ابتداء من العام الماضي قبول الطالبات للدراسة في مرحلة البكالوريوس في الاعلام، وكأنما احتاجت الجامعة كل هذه العقود الأربعة كي تفكر وتتدبر، وتقتنع أخيراً بأن المرأة لن تشيع الفاحشة حين تدرس الإعلام، أو تعمل فيه، رغم أن المرأة في بلادنا درست الإعلام وتخصصت به منذ أكثر من نصف قرن، لكن هذه الجامعة تعمل كما لو كانت خارج رؤية هذا الوطن، التي تسير قدماً في تمكين المرأة، وجعلها عنصراً فاعلاً في المجتمع.
هكذا يقول الخبر الغريب الذي نشرته صحيفة الحياة، بأنه «بعد عقود من الممانعة، أنهت نحو 120 طالبة سعودية المستوى الأول من دراستهن الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود» والأغرب في الخبر ذاته، أن عميد كلية الإعلام والاتصال، يؤكد بما يشبه الفخر، أن كليته هي الوحيدة بين جامعات السعودية، التي لبت حاجتها من أعضاء هيئة التدريس الإناث، ولم تحتج لاستخدام الشبكة التلفزيونية» التي تستخدمها الجامعات السعودية الأخرى عند إلقاء الأساتذة الذكور محاضراتهم للطالبات الإناث، فرغم أن الأنظمة السعودية تسمح بهذا النوع من التعليم الجامعي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة، إلا أن الأخوة في جامعة الإمام ينأون عن استخدام ذلك درءاً للمفاسد، وسداً للذرائع، رغم إجازة الأنظمة واللوائح له!
ولا يخفى أن هناك فئة من المجتمع تدعم مثل هذا الموقف الذي لا يختلف عن دعم صاحب البقالة الممتنع عن بيع الجرائد، وهو أيضاً يشبه إلى حد ما، موقف بعض أعضاء مجلس الشورى الذين أسقطوا قبل أيام، التوصية بفتح فروع لجامعات أجنبية مرموقة في المملكة، بدعوى مخاطر ذلك على الخصوصية السعودية، مع أننا نبتعث مائتي ألف طالب وطالبة إلى هذه الجامعات في دولها، وندفع المليارات لذلك، ونجبر أبناءنا على الغربة!
كم نحن متناقضون ومرتبكون ووجلون من العالم!