محمد آل الشيخ
آخر المنتجات القطبية الأخوانية الأكثر غلواً وتطرفاً وعنفاً وتوحشاً بين حركات الإسلام المُسيس، هي بلا شك (داعش)، التي لم ترث جرائم القاعدة الإرهابية القذرة، وتسير على ذات المنوال فحسب، بل أضافت فظاعات عنف جديدة إلى حركات الإرهاب العُنفية لم يعرفها التكفيريون قبلهم. ولعل آخر بدعهم، وما ألصقه هؤلاء الأوباش المتأسلمون بالإسلام، تفجير المساجد، بقصد القتل الجماعي؛ كحادثة تفجير مسجد القطيف التي لم تصدم السعوديين فقط بل العالم أجمع، وبيّنت بما لا يدع مجالاً لأي رأي آخر ألا حل لهذه النبتة الخبيثة إلا اجتثاث الأصل والأفرع، مهما كانت التبعات والتضحيات.
هذه البدع، لم تعد فقط قولهم البدعي بجواز قتل النفس، بحجج واهية مفبركة ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما تجاوزتها إلى تكريس ثقافة (التوحش) التي استلهموها من الطريقة (المغولية) في الحروب والغزو، حين انتهجها «جنكيز خان» فوظف الرعب والحرق والتخويف بالقتل وإبادة الجموع البشرية، والتفنن في قتلهم بوحشية، وسيلة لإنجاح اجتياحه لمعظم العالم الآسيوي في القرن الثالث عشر الميلادي؛ فأصبحت الإمبراطورية المغولية التي أسسها أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ على الإطلاق؛ كانت تتكون مما يُعرف الآن بالصين ومنغوليا وفيتنام وتايلاند وأجزاء من سيبيريا ومملكة لاوس ومينمار ونيبال وبوتان، ثم أضاف خلفاؤه الشرق الأوسط وأجزاء من أوربا الشرقية؛ تحقق له ذلك من خلال (وحشية مفرطة) لم يعرف لها التاريخ مثيلاً؛ فقد كان - مثلاً - إذا استعصت عليه بلدة، يُحرقها ويحرق الأسرى من أهلها بالنار عندما يفتحها، كما فعل الدواعش بالطيار الأردني «الكساسبة»، وكما فعلوا - أيضاً - بجنود سوريين أسروهم بعد اقتحامهم قرية سورية، فأشعلوا شعور رؤوسهم بالنار وهم مكتفون، وتركوهم يحترقون حتى الموت، بحجة أنهم علويون كفار؛ وكان هدف جنكيز خان من هذه الأساليب الوحشية، أن يُرعب أهل البلدان التي يستهدفهم بغزوه، فإذا بلغتهم الأخبار الوحشية للغزاة المغول القادمين إليهم، تركوا بلدانهم وفروا؛ وهذا هو الأسلوب نفسه الذي انتهجه الدواعش وطبقوه على الأرض في عملياتهم الانتحارية الإرهابية، في غزوهم للعراق وسوريا، وطوروا هذا الأسلوب المغولي، وفحواه (استباق الحرب، بالتخويف من أهوالها) بأن جعلوا من التصوير والإخراج السينمائي المحترف، ممراً ومَعبراً لبث الذعر في من يستهدفونهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي في الإنترنت، على طريقة المغول الوحشية ذاتها، ولكن من خلال تقنيات حديثة.
لذلك يمكن القول وبالأدلة القطعية، إنّ الدواعش والطرق التي ينتهجونها طريقة محض (مغولية)، ولا تمت بصلة للسلفية التقليدية، ولا للسلفية المتأخونة، ولا حتى لفرق الخوارج، ولا لأخلاق المسلم المحارب، بل ولا لأخلاق العرب في جاهليتهم كذلك، رغم أنهم يزعمون تطبيق الشريعة؛ غير أنّ وحشيتهم وبربريتهم، وعدم اكتراثهم بضوابط الشريعة في الإسلام، جعلهم خارج إطار الإسلام، وعالة على الإنسانية.
ويبدوا أنّ الظاهرة الداعشية، أخذت من كل توجه قبيح قطرة ومن كل منهج شاذ فكرة، ثم مزجوا بعضها ببعض، ونسبوها زوراً وبهتاناً للسلف فكانت داعش وكان الدواعش، وكان نسف المساجد على الركع السجود، عملاً جهادياً !
ورغم همجيتهم و وحشيتهم، فثمة من يعتبرهم سلفيين لاتخاذهم جانباً من مقررات السلف العقدية ومدوناتهم وكتبهم في مقرراتهم التعليمية وحلقات الشحن العقدي في المساجد، إلا أن بينهم وبين السلف كالذي بين جنكيز خان والإسلام. وهناك من يعتبرهم قطبيين لثوريتهم وميلهم إلى العنف فضلاً عن تبجيلهم لسيد قطب في أدبياتهم، غير أن القطبيين - إذا استثنينا القاعدة منهم - لم يقترفوا رغم ثوريتهم وميلهم إلى العنف والتغيير بالقوة، من الجرائم مثل هذه الصور الهمجية الفظيعة التي يقترفونها في ممارساتهم الإرهابية، وإن كنت لا أشك أن البذرة الأصلية كانت قطبية قطعاً . وهناك من يعتبرهم تيميين سلفيين، وابن تيمية، وإن كان يغلب عليه التشدد في بعض أقواله، إلا أنه لا يخرج عن مدلول النص المباشر والحرفي قيد أُنملة، وهؤلاء القوم بينهم وبين نصوص الشريعة مثل ما بين النقيض ونقيضه؛ فهم في الواقع، خليط من هذا وذاك وهذه وتلك، أشبه ما يكونون بالوحوش البشعة شكلاً ومضموناً في أفلام الخيال العلمي الهوليودية المرعبة، التي استمدوا أفكارها من إيحاءات (هندسة الجينات الوراثية) وما يمكن أن يصل إليه هذا العلم حين تختلط جينات الكائنات بعضها ببعض، لتظهر النتيجة - كما في الأفلام - بمخلوق عجيب غريب، لم يُعرف له سلالة من قبل؛ فالداعشي، كأنه جاء نتيجة لخلطة من جينات خنزير وجينات ضبع أعرج وجينات ثعبان وجينات فأر نجس مع جينات إنسان قطبي إخواني خسيس، فانتهت هذه الخلطة المختبرية إلى مخلوق مشوّه قبيح (داعشي) فيه من كل تلك الكائنات صفة قميئة، إلا أنه ليس إنساناً بكل تأكيد.
إلى اللقاء.