يوسف المحيميد
لو سألت مواطناً، لماذا يضطر إلى استقدام عاملته المنزلية من البحرين، والحصول على زيارة لها كل ستة أشهر؟ ولماذا يذهب إلى العلاج في الخارج، وفي دول مجاورة أقل منا في الإمكانات والتجهيزات؟ ولماذا يدرس ابنه أو ابنته الطب في دولة مجاورة، حيث لا تتوفر فرصة دراسة رغم المعدل الدراسي العالي؟ لأجابك أنه رغم امتلاكنا كل شيء، مادياً وبشرياً، إلا أننا نفتقد الإدارة المنجزة، وبالذات الإدارة الوسطى التنفيذية في مختلف الجهات الحكومية، وذلك في تطبيق القرارات وتنفيذها على أرض الواقع!
فملف بسيط وعادي، كملف استقدام العمالة المنزلية، تحول مع الزمن إلى ملف معقد وشائك، لا يختلف عن ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وبعد مرور عشر سنوات من تعطله، وتحوله إلى سوق سوداء، يحدث فيها بيع البشر وتأجيرهم، قد يتحول مع الزمن إلى قضية وطنية مزعجة ومؤرقة لكثير من العائلات، خاصة أن الدراسات التي قامت بها وزارة العمل، والمقارنات مع دول الخليج أثبتت أننا نعيش تحت ظل (مافيا) عمالة منزلية، يشارك فيها الجميع، وعلى رأسهم مكاتب الاستقدام التجارية في المملكة.
ومع حزمة القرارات المتخذة من قبل وزارة العمل، أصبح الأمر يحتاج إلى تطبيق فوري، ومتابعة جادة من الوزارة لهذه المكاتب، كما تفعل وزارة التجارة مع التجار والمحلات المخالفة، حتى ولو كانت من المحلات الشهيرة، مما أكسب وزارة التجارة شخصية مهابة ومؤثرة!
ولعل أكثر ما كان يعاني منه المواطن، أنه يضطر عند توقيع العقد إلى دفع كامل قيمة هذا العقد، وهذا لا يحدث أبداً في كل الأعمال التجارية، فالمتعارف عليه أن الدفع لأي عمل أو مهمة، أن يتم على دفعات مختلفة تبعاً لإنجاز العمل أو المهمة، كما أن جميع عقود الأعمال، تضع فترة محددة للإنجاز، وبناءً عليها تقرر غرامات التأخير، كي تضمن حق العميل في استلام موضوع العقد في الوقت المتفق عليه!
ولعل أهم ما في حزمة القرارات الجديدة، أن حددت مدة استقدام العاملة المنزلية بستين يوماً فقط، كسقف زمني أعلى لمدة الاستقدام، وعدم تحصيل كامل المبلغ عند توقيع العقد، بل لا يزيد المبلغ المستلم عند التوقيع عن 25 في المائة من قيمة العقد، ويجري دفع القيمة المتبقية للشركة أو المكتب عند إشعار المستفيد كتابة بالسداد، مع ما يفيد التأشير على جواز العاملة من السفارة السعودية في البلد المرسل للعمالة، والأمر الأكثر أهمية تحميل المكتب غرامة تأخير قدرها مائة ريال عن كل يوم، وبحد أقصى لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال، وفي حال تجاوزت مدة التأخير شهراً، فالعقد يعتبر ملغياً، وعلى المكتب إعادة جميع المبالغ المحصلة من العميل!
كل هذه القرارات ممتازة، لكن كيف يمكن معاقبة المكتب حينما يقول للمواطن بأن القرارات لم تطبق بعد! أو أن يبتسم الموظف ابتسامة صفراء ويردد: يا ابن الحلال عساك سالم! في إشارة إلى أن هذه قرارات على الورق! وقتذاك ستصبح كل هذه الدراسات والقرارات مجرد حبر على ورق.