قراءة - د. فتحي محمد الدرادكة:
ريتشارد بايلي وايندر مراجعة وتعليق: أ. د. فهد بن عبدالله السماري
يعد كتاب «المملكة العربية السعودية في القرن التاسع عشر الميلادي» من الكتب المهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وق-د أحسنت دارة الملك عبد العزيز -كعادتها- في الاختيار والترجمة لهذا الكتاب المهم والذي يلقي الضوء على جزء مهم من تاريخ المملكة العربية السعودية في القرن التاسع عشر.
تكمن أهمية هذا الكتاب في تناوله لموضوع مهم وهو تاريخ الدولة السعودية الثانية الذي يفتقر إلى الدراسات والأبحاث المعمقة، ويتميز هذا الكتاب كونه من المؤلفات الغربية التي اهتمت بالتاريخ السعودي المحلي، علاوة على اعتماد المؤلف على مصادر محلية وعربية وأجنبية، وإلى أسلوبي المقاربة والمقارنة والتصحيح من وجهة نظرة، كما اتسم منهجه العلمي بالدقة في النقل والتحليل والاستنتاج. (ص20).
وما يميز هذا الكتاب عن غيره من كتب المستشرقين الذين اهتموا بالحروب والجوانب السياسية، أنه لم يكتف بالأحداث وأخبار الدولة السعودية الثانية بل تطرق لأحداث المناطق المجاورة مثل البحرين، وسلطنة عمان، والحجاز وعسير، مما يؤكد النظرة المنهجية المتكاملة للحدث التاريخي.
صاغ ريتشارد بايلي وايندر الكتاب بأسلوب متميز وعلمي رصين، حيث تجنب أسلوب السرد الممل، واستخدم عرض القضايا والمسائل والتحولات الرئيسية في أحداث تاريخ الدولة السعودية بطريقة مشوقة، اعتمدت على تنوع المصادر والرؤى والمعلومات، ولذلك جاء هذا الكتاب في مقدمة الكتب عن تاريخ المملكة العربية السعودية الثانية بسبب شموليته وثراء مصادره وتنوعها وتحليلاته وطرحه للجوانب السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية لها. (ص20-21).
يقع الكتاب في (493) من القطع المتوسطة، ويضم تسعة فصول ومقدمة وتصدير وقائمة للمصادر والمراجع وكشاف عام.
ففي الفصل الأول وهو التمهيدي يستعرض المؤلف قلب الجزيرة العربية والمراحل التي مر بها التاريخ السعودي والأسس التي قامت عليها الدعوة الوهابية بين التطبيق والتأثير. تناول وايندر في الفصل الثاني الاحتلال المصري منذ عام 1818-1822م، وعرض للقسوة التي استخدمها إبراهيم باشا واتباعه في معاملة السكان والعلماء والمشايخ في نجد ومن فضائع تلك المعاملة علاوة على الإعدام وقطع الرؤوس ونزع الأسنان والإجبار على سماع الموسيقى ثم القتل، والموسيقى كما نعلم أنها محرمة فكيف كانوا يجبرون الشيوخ على سماعها كما حصل للشيخ سليمان بن عبدالله؛ (ص61-62).
كما رصد المؤلف ردود الفعل للاحتلال، وتطرق إلى الأحداث في الحجاز وعسير والمنطقة الشرقية وقطر وعمان، وعرض للمصالح والخطط البريطانية لينهي الفصل في الحملة البريطانية في الخليج العربي عام 1819م. حمل الفصل الثالث عنوان حكم شاغر، وتحدث عن فترات حكم ابن معمر ومشاري بن سعود وتركي ثم الاحتلال التركي من جديد، ومما لا شك فيه أن احتلال الدرعية كان له أثر كبير حيث تم تدمير المدينة وتفكيك الدولة السعودية الأولى داخل نجد، بل في مختلف المناطق التابعة لها من الخليج حتى البحر الأحمر، وأن الحملات الأربع التي أعقبت الحملة العسكرية سجلت في تاريخ نجد مدتين من الاحتلال: الأولى: أيام إبراهيم باشا، والثانية أيام ضباط من جيش أبيه، وفيما بين الحربين قامت محاولات ضعيفة لتوطيد نوع من الحكم المستقل منها محاولة محمد بن معمر الموالي للأتراك ومحاولتان أخريان لاثنين من آل سعود هما مشاري بن سعود وتركي بن عبدالله وما حل عام 1822م (1237هـ) حتى مات الأولان واختفى الثالث وأصبحت البلاد في حالة من الفوضى الشاملة.
وعلى الرغم من حالة الفوضى التي اجتاحت المنطقة فقد كان هناك عوامل إيجابية منها: أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب كانت متأصلة عميقة الجذور في نفوس أهل نجد، وأن آل سعود على علم بمعرفة الطريق الصحيح إلى الله.
جاء الفصل الرابع ليتحديث عن عودة آل سعود لحكم نجد وتأسيس الدولة السعودية الثانية، خصوصاً بعد إجلاء الأتراك عن نجد وإخضاع المناطق المجاورة للرياض كالخرج والقصيم وشمر وسيطرته على البدو، ثم يتطرق إلى العلاقات مع البحرين والبريطانيين وعرض للجوانب الاقتصادية ووقف عند مرض الكوليرا الذي اجتاح نجد للمرة الثانية، كما أبرز وايندر أفكار وآراء تركي حول الحكومة وضرورة التركيز على خدمة الناس، ومن نمط كلام تركي يذكرنا بالخلفاء الراشدون ومعاملتهم مع الناس (1163-164) واختتم الفصل بالحديث عن حادثة الاغتيال الذي قام بها مشاري بن عبدالرحمن (174-175). ونختم حديثنا عن هذا الفصل بما حققه من إنجازات فقد كان تركي عظيما في زمانه ومكانه، وكان لديه من الصفات ما يؤهله لأن يكون حاكماً في أي زمان ومكان، كان يستخدم القوة عندما يجد أنها ضرورية، ولكنه كان يحجم عن استخدامها كلما استطاع ذلك. إن المثل التي عبر عنها تركي لرجال حكومته توضح أن هدفه النابع من قلبه هو رفاهية الناس، وغني عن البيان أنه كان متديناً؛ لأنه ظل طوال حياته يواظب على حضور المجالس الدينية.
يستعرض الفصل الخامس حكم فيصل الأول حيث يشير فيه إلى حكم الأربعين يوم لمشاري بن عبدالرحمن قتل تركي، وقد تحرك فيصل بعد أن جمع قوه من المناطق الشرقية وتمركز في منطقة الأحساء وبعدها توجه للانتقام من قاتل أبيه واستطاع دخول الرياض، وفي هذا الوقت كانت هناك حملات وتحركات عثمانية - مصرية وبروز لآل رشيد ويعرض المؤلف للأحوال في عمان وتقدم الحملة المصرية في القصيم وبل شمر وللحصار المصري للرياض ومفاوضات فيصل معهم والاتفاق بين فيصل وخورشيد لينتهي الأمر باسر فيصل ولتجدد الاحتلال المصري لنجد وينقل فيصل مرة ثانية لمصر أسيراً، وهنا لابد من الإشارة إلى أن المؤلف يؤكد أن سبب إخفاق السعوديين في تأسيس دولتهم هو العروبة، غير أن مراجع الكتاب (معالي الأستاذ الدكتور فهد السماري) بحصافته وحرصه على أن لا تمر معلومة دون توضيح، ويوضح ذلك بشكل جلي حيث يقول: «لم تكن العروبة من أسباب عدم نجاح الدولة السعودية، وإنما هي قامت على مبادئ إسلامية واضحة وهو ما جعلها في مواجهة مع الدولة العثمانية وولاتها في مصر، الذين أحسوا بقوتها ونفوذها وانتشارها فقرروا اسقاطها، فارسلوا الحملة تلو الحملة، وأسلحة لم تكن البلاد تعرفها من قبل وجنوداً جرى جمعهم من بلاد الاتراك والمغرب العربي وأوروبا والألبان وغيرهم. والدلالة على قوة هذه المبادئ عودة الدولة السعودية في الظهور مجدداً مع تلك الموجات الشديدة...».
جاء الفصل السادس للحديث عن تجدد الاحتلال المصري لنجد والسياسة التي اتبعها خورشيد ذات الطابع التوسعي في الجزيرة العربية، وعرض إلى للتحركات المصرية والبريطانية في الخليج (البحرين والكويت والعراق ومنطقة البريمي وعُمان) ثم تطرق إلى نهاية الحكم المصري في شبة الجزيرة العربية، وكيف استطاع عبدالله بن ثنيان أن يطرد المصريين نهائياً من نجد، ومنذ ذلك التاريخ لم ير أثراً للوجود المصري في شبة الجزيرة العربية، وأصبحت أرض السعوديين خالية تماماً من أي سيطرة ووجود أجنبي فيها. ويعرض وايندر إلى عودة الأمير فيصل إلى الجزيرة العربية ووصف للترحب الذي تلقه من سكان نجد وجبل شمر، لتبدأ المرحلة الثانية من حكم فيصل بن تركي في نجد.
عرض وايندر في الفصليين السابع والثامن لمدة حكم فيصل بن تركي الثانية وولديه عبدالله وسعود، وغاص المؤلف في التفاصيل الدقيقة للسياسة التي اتبعها فيصل في اهتماماته الداخلية للبلاد، وعلاقاته مع القبائل في حائل والقصيم والخرج، وتطرق إلى الأحداث والتمردات التي قامت ضد حكم فيصل بن تركي في عنيزة وبريدة والعجمان، وكيف استطاع فيصل أن يتغلب على كل هذه المصاعب ويستتب الأمر له في نهاية المطاف، ويدعم وايندر الكتاب بجداول تظهر عدد السكان والدخل وإعداد المتحاربين وتقدير للزكاة من مختلف القبائل، ومن مسقط وجبل شمر والبحرين (364-365). ونختم حديثنا عن هذا الفصل بوصف بلي لفيصل حيث يقول: وجدت الإمام جالساً في أقصى طرف القاعة على سجادة صغيرة، مستنداً على وسادة سميكة موضوعة خلف ظهره.. وعندما اقتربت منه نهض الإمام ولكن في صعوبة بالغة، ثم أخذ يدي وبدأ يتحسسها ببطء، وطلب مني أن أجلس إلى واره على السجادة. كان فاقد البصر تماماً ولكن كانت ترتسم على وجهه ملامح متناسقة وديعة صارمة، مستكينة. كان يبدو أن عمره يزيد على السبعين، يرتدي ثياباً فاخرة تتناسب والذوق السليم، يرتدي كوفية عربية، ويلف حول رأسه عمامة من الشال الكشميري الأخضر. كان صوته رخيماً، وكلماته هادئة محددة. كان وقوراً لطيفاً، ومع ذلك يشعرك بأنه يمكن أن يكون قاسياً، حجري القلب».
وفي الفصل الأخير (التاسع) يعرض وايندر لانهيار وسقوط الدولة السعودية الثانية، حيث تطرق إلى وصول عبدالرحمن الفيصل للحكم ولحكم الرياض، وكيف حدثت المنافسة في القصيم وبل شمر، وهنا يشير المؤلف إلى مولد الملك عبدالعزيز بن سعود (مؤسس الدولة السعودية الحديثة)، ويعرض للانهيار الذي أصاب الدولة السعودية الثانية وتفوق آل الرشيد عليها واحتلالهم للرياض، كما تطرق المؤلف إلى موقعة المليداء (ص467-470)، وخروج عبدالرحمن الفيصل وولده عبدالعزيز للمنفى (الكويت) ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة بحيث كان الأمير عبدالعزيز متابع لكل الأحداث وتاتيه الأخبار لحظه بلحظه، وكان الملك عبدالعزيز يتطلع لإعادة مجد أجداده والإطاحة بال الرشيد وإعادة الدولة السعودية لوضعها الطبيعي، وظل عبدالعزيز يخطط ويترقب الأحداث إلى أن تحين الفرصة المناسبة وحطم آل الرشيد ودخل الرياض معلناً قيام الدولة السعودية الثالثة ولتبدأ مرحلة جديدة من مراحل التاريخ السعودي المجيد تحت زعامته الذي استطاع بكل حنكه واقتدار ان يؤسس الدولة على أسس حديثة ومتطورة.
وأخيراً لابد لنا من كلمة حيث أن كتاب المملكة العربية السعودية في القرن التاسع عشر الميلادي يعد مرجعا مهما من المراجع المهمة في تاريخ الدولة السعودية الثانية، وقد كان لبراعة المراجع دوراً كبيراً في اظهار هذا الكتاب بهذا الشكل الرائع، وكانت تعليقاته وتوضيحاته وأحالته للمصادر والمراجع لها الدور الأبرز في اظهار هذا الكتاب بشكله البهي. لكننا نشير هنا إلى بعض الملاحظات والتي ربما هي شكلية منها عدم كتابة الأسماء باللغة الأصلية (الإنجليزية) في متن الكتاب، وعدم ووجود ملخص تنفيذي في مقدمة الكتاب يعرض للمحطات الأساسية للكتاب وهذا ربما اقتراح أقدمه لمعالي الدكتور فهد ليكون هناك ملخص تنفيذي لكل الكتب والدراسات التي تصدر عن الدارة.