د.فوزية أبو خالد
ربما لم يكن أحد ليسأل لماذا توقفت عاصفة الحزم فجأة, بعد أن بدأت بشكل ذكي باغت المغرورين بالقوة متمثلين في الدولة الثيوقراطية الطائفية إيران، والمغرر بهم ممثلين في ميليشياتها القتالية بالوكالة المكونة من الفصيل الحوثي وأتباع الدكتاتور الذي أسقطه الشعب اليمني
عبر ساحة الحرية منذ شرارة الربيع العربي الأولى في اليمن. ولم يكن أحد ليظن أنه كان الأحرى طرح السؤال ربما قبل إعلان التوقف أو من لحظاته الأولى, في ضوء أن إعلان وقف عاصفة الحزم تبعه مباشرة إعلان حملة الأمل التي استبشر بها كل صاحب ضمير بإحلال الحوار السلمي والوفاق الوطني بين أهل اليمن على اختلاف أطيافهم السياسية بدل الاحتراب الأهلي وإنقاذ اليمن تنموياً وسياسياً.
إلا أن الاعتداء الحوثي الآثم على مواقع سكنية آهلة بالمدنيين بمدينتي جيزان ونجران داخل الحدود السيادية لأرض المملكة العربية السعودية أثار السؤال كما أثار الكثير من شجن الخيارات الصعبة.
لقد بدا واضحاً من انطلاقة عاصفة الحزم أنها إنما تريد أو بالأحرى اضطرت إلى اللجوء إلى الحرب من أجل السلام وإعادة الشرعية لليمن بأقل قدر من الدماء. وتريد أن تعطي الطامع في حُلم المملكة وفي شيمة الصبر التي طالما تمسكت بها في علاقاتها الدولية وخاصة علاقات الجوار, لفت نظر بأن للصبر حدود وبأن المملكة وأن تحلت بالحلم تاريخياً, فإنها ودول التحالف لن تقبل بأن تدير الخد اليسار بعد الدمار الذي عاث فساداً وتشريداً وتقتيلاً بمصائر بشر من لحم ودم بل شعوب بأكملها في العراق وسوريا ولبنان.
ولكن ذلك لم يكن واضحاً بما يكفي على ما يبدو للمغامرين بدماء سواهم في سبيل شهوة خلخلة التوازن الإقليمي على حساب استقرار المنطقة, فإذا كان السلاح من إيران لصالح هيمنة دولتها الطائفية, فإن الاقتتال والتشرد والاحتراب الأهلي من نصيب شعوب لا تعنيها. وليس لأي صاحب تفكير عقلاني أن يتوقع من دولة لا تعأ بشعبها تنموياً ولا سياسياً وتتخلص من كل مستنيريها وكل معارضيها على الهوية الفكرية أن تأخذها رأفة بشعوب أخرى.
لذا في الوقت الذي نريد فيه الهدنة الإنسانية التي قد تعطي الشعب اليمني المتضرر من حالة الحرب وخاصة الأطفال والنساء فرصة للملمة الجراح والتقاط الأنفاس والانتقال إلى مواقع أقل تأججاً, فإننا نرى أهمية المقاومة الشعبية لمنحى الاحتراب الطائفي الذي تجر إليه البلاد بجنوبها وشمالها كما كتب زميلنا د. جاسر الحربش، في قراءته المميزة للواقع اليمني. كما نضيف ضرورة العمل على تقوية هذه المقاومة ومدها بالسلاح والعتاد الذي يجعلها قادرة على القيام بنقلة نوعية في اليمن للخروج على حالة الاحتراب وصولاً إلى طاولة المفاوضات المنشودة لإحلال وفاق وطني من كل الأطراف الممثلة لإرادة اليمنيين الحرة.
وهذا المطلب الذي يبين درجة حيويته وإلحاحه, شهوة الحوثي للمزيد من جر اليمن وإقحام الجوار في حرب مفتوحة باعتداءاته الطروادية على جيزان ونجران من حدودنا الجنوبية يلتقي مع السؤال الذي افتتحنا به هذا المقال ونرى أن من الصدق الوطني مصارحة القيادة به وهو سؤال لماذا توقفت عاصفة الحزم؟!
فإيقاف عاصفة الحزم, ودون ادعاء أي خبرات إستراتيجية على مستوى من المستويات عدا خبرة الضمير في ضرورة احتواء الشرر قبل التحول إلى حريق وعدم تكذيب الزرقاء إذا كانت بصيرتها قد رأت تحرك الأشجار, يبدو أنه قرأ بشكل خاطئ من قبل الحوثيين بل من قبل إيران، وإلا لما جرى التجروء بعد توقفها على التفكير في استهداف مدنيين في عقر دار السعودية. فبدل أن يقرأ أن المقصود بالإيقاف التمهيد لإعادة الشرعية لليمن بالسبل السلمية وبإحلال فرصة للتفاوض السلمي بين مختلف الأطياف السياسية على أرض اليمن بعد تلك الوقفة الردعية الخاطفة لا عن طريق توسيع دائرة الاقتتال قرأ بقصر النظر الحوثي على ما يبدو كانسحاب مبكر. كما أن إيقاف عاصفة الحزم بدل أن يقرأ كشفرة تحذيرية توجه لإيران وإن جاءت خاطفة بوجود إرادة سياسية في الخليج لن تسمح بتكرار سيناريو تدخل ميليشياتها المدمرة في سوريا والعراق ولبنان, فقد قرأت بضيق الأفق الطائفي لإيران كاستعراض للقوى دون نية أن ينالها هي بالذات أي ضربة موجعة من جرائها.
وفي هذا فإن استئناف عاصفة الحزم ليس خياراً مستبعداً لحين التوصل لأهداف وقف الحرب بالتفاوض بشروط كريمة على نفس الأسباب التي استدعتها, مضافاً إليها بكل صرامة وتأكيد ذلك الخط الأحمر الذي تحدثت عنه القيادة السعودية وهو حرمة السيادة الوطنية للملكة العربية السعودية لكل ذرة تراب من أراضيها.
ولهذا أيضا شروط غير عسكرية ومنها التحالف مع قوى المعارضة والرفض لدولة إيران كدولة ثوقراطية طائفية.
أما الشرط الأخير الذي له أكثر من مدى قريب ومتوسط وبعيد فهو تقديم مشروع خليجي وعربي سياسي وثقافي يتحدى البنية الطائفية للدولة الإيرانية بمضمون عقلاني عصري تعددي بحيث يسد باب الذرائع تماما على التأجيج الطائفي على الهوية المذهبية في تلك الانقسامات القاتلة بين شيعة وسنة, وبحيث يقوم ميزان العدل في التوازن الإقليمي للمنطقة على غير الحسابات الطائفية الأحادية لأي طرف دون آخر ولكن على ذلك البديل السياسي والمدني المتسم بالرشد واستيعاب التنوع.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.