د. جاسر الحربش
حالات التشرذم في المكون الواحد، وما يترتب عليه من الضعف، تفرض بالضرورة تحالفات قد تكون غير مأمونة ولا يمكن التملص منها برغبة الطرف الأضعف لأنها مكبلة ومشروطة. هذا هو واقع الحال العربية مقابل أربعة مشاريع أجنبية متكاملة وواضحة الأهداف.
يجب تسمية الأشياء بأسمائها، بدءاً بالتعريفات المناسبة. ما نسميه المشروع الغربي ليس غربياً بالمعنى الجغرافي ولا الحضاري. الصحيح أنه مشروع أطلسي عمره سبعين سنة تأسس بعد الحرب العالمية الثانية للدفاع عن أمن ومصالح دوله المتحالفة عبر البحار، بما يشمل الضربات الاستباقية لإفشال أي مشروع مضاد. المشروع الروسي اسم على مسمى، روسي قومي تأسس على بقايا المشروع السوفييتي الأممي، وهدفه استعادة روسيا القيصرية الكبرى وتوسيع نفوذها في العالم. المشروع الفارسي ليس مشروعاً إيرانياً وإن صوروه كذلك. هو مشروع إحيائي لإمبراطورية فارسية قديمة، وهدفه مزاحمة المشاريع الأخرى على المصالح والجغرافيا في المنطقة. كذلك المشروع العثماني ليس تركياً بمعنى تأمين الجغرافيا التركية، وليس سنياً بمعنى الانتصاف للسنة المسلمين في دولة فسيفسائية الأعراق والأديان والمذاهب والأقليات. هذه الفسيفساء كانت حتى أوائل القرن الماضي تحت علم واحد يسمى دولة الخلافة العثمانية أو الباب العالي، والمشروع العثماني الحالي يهدف إلى استعادة الماضي، وعلى الحالمين بدولة الخلافة العادلة عدم الإغراق في الأوهام.
حتى الآن يبقى المشروع الأهم والغائب الذي تتصارع كل المشاريع الأخرى على أرضه، أي المشروع العربي المبني للمجهول. لا يوجد مشروع عربي ولو للوفاء بأضعف الإيمان، أو اتفاق شرف دفاعي ضد المشاريع التي تمارس صراعاتها العسكرية والاقتصادية والإعلامية على أرضه.
إذا قلنا بوجود جامعة عربية تضم عشرين دولة قطرية، نحصل على نفس العدد من المشاريع، ليس بينها مشروع واحد واضح المعالم للدفاع عن المكون الحضاري العربي الأكبر. كلها مشاريع فرعية تحدد أولوياتها في تأمين الحماية القطرية الخاصة، ليس ضد المشاريع الأجنبية وإنما ضد المشاريع الإقليمية المجاورة.
تتضح حالة الهشاشة العربية من خلال بعض التساؤلات. ماذا كان الهدف الحقيقي لرئيس اليمن السابق وحركة أنصار الله الحوثية من جمع الكميات المهولة من السلاح والميليشيات والإهمال التام للتنمية في اليمن؟ هل كان علي صالح والحوثي ينويان استعمال أسلحتهم لغزو إسرائيل أو أمريكا أو أثيوبيا، أم لغزو المملكة العربية السعودية والخليج كهدف محدد منذ عشرات السنين؟. ما هو الهدف التاريخي الطويل والمكلف لسباق التسلح الكثيف بين كل دولتين عربيتين جارتين، هل هو التسابق على شرف المساهمة في تحرير أراض وأقطار عربية محتلة، أم التحسب للجار الشقيق؟.
بعد أن كادت الروح تبلغ الحلقوم وقبل اكتمال المشروع الفارسي لتطويق كامل الجغرافيا العربية المشرقية، أطلق القرار الذي طال انتظاره، لمشروع عاصفة الحزم وإعادة الأمل. يحسب لدول مجلس التعاون العربي الخليجي عبر تاريخها أنها لم تدخل ساحة التسلح الثقيل والمكثف إلا بعد الثورة المذهبية في إيران والتزامها صراحة بتصدير تطبيقاتها إلى كل العالم الإسلامي وبعد أن بدأت تتحرش إعلاميا بالعراق مما أدى إلى اشتعال الحرب الإيرانية العراقية.
فيما مضى كانت دول مجلس التعاون تعتمد على دفع الأذى بالوساطات والمساعدات المالية ومحاولة كسب الوقت لتذويب الخلافات. الآن أصبح للعرب أمل كبير في تحول عاصفة الحزم وإعادة الأمل إلى نواة مشروع عربي مضاد للمشاريع الأجنبية في المنطقة، ولهذا التفاؤل عدة أسباب منطقية.
عاصفة الحزم وإعادة الأمل انطلقت من المركز الديني والجغرافي للعرب، وسبقها حلف دفاعي تأسيسي بين دول المجلس عمره أكثر من خمسة وثلاثين سنة، كما أنها لم تنطلق من هدف هجومي توسعي وإنما من ضرورة الدفاع عن النفس ولإنقاذ شعب عربي مغتصب، واستقطبت منذ بداياتها الأكثرية من الدول العربية القطرية والتكتلات الأكبر من الدول الإسلامية، وبالإضافة إلى ذلك ترفع السلاح بيد وورقة الحوار والتفاهم باليد الأخرى.
بهذه المواصفات مجتمعة وضعت عاصفة الحزم وإعادة الأمل نفسها في موقع الأمل العربي القادم، ليس في دول الجزيرة العربية فحسب وإنما في سوريا ولبنان والعراق وعربستان الأحواز، وباختصار من سواحل الخليج العربي حتى سواحل شنقيط.
بارك الله في عاصفة الحزم والأمل، وليعلم من اتخذ القرار بانطلاقتها أن المطلوب لم يعد استعادة اليمن الشقيق لأصله وأهله فحسب، وإنما التأسيس لمشروع عربي دفاعي متكامل ومضاد للمشاريع الأجنبية الغازية وكابح للاعتداءات البينية القطرية.