هناك خلل واضح في الحرب على ((داعش)).. هذا الخلل كشفته لنا الحملة العسكرية ((عاصفة الحزم)) التي تقوم على أهداف استراتجية واضحة ومحددة.. تهدف لإعادة الشرعية في اليمن في مواجهة التمرد الحوثي الذي تقوده مؤامرات علي عبدالله صالح وحزبه المزعوم.. الذي أدى لتدخل قوى أجنبية متمثلة في إيران التي اعتادت التدخل العدائي في شؤون الدول العربية والإسلامية تحت غطاء طائفي لخدمة مصالحها واستراتجيتها التوسعية وأن بأيدى محلية تلعب معها دور الحليف والصديق والمرشد.
أما بالنسبة لـ((داعش)) فإن الخلل يأتي من طريقة مواجهتها عسكرياً.. فمن المعروف أن العمق الطبيعى لداعش هو بعض المناطق السورية التي بدأت نشاطها الإرهابي فيها.. قبل أن تتجه للمدن المحاذية للعراق كالرقة مثلاً.. وتنطلق منها للقيام بأعمال إرهابية واسعة تكاد تغطي كل مدن الشمال العراقي من سامراء إلى كركوك.
أما المواجهة العسكرية لداعش فتقوم على منطق مقاومة انتشارها العدواني.. وإخراجها من المدن والمناطق التي تهاجمها وتحتلها.
وذلك وفق تصور استراتيجى هو ((الدحر)).
ففى المناطق السورية.. تم دحرها.. وإخراجها وإجبارها على التراجع إلى أن وصلت للمدن الحدودية التي لم تعد مؤثرة على مسار الحرب بين الفصائل المتحاربة فيها.. سواء النظام أو المعارضة.. أي أن الأمر لم يتعد العمل على تحييد قوتها ومنعها من التأثير المباشر في الصراع -هذا قبل دخولها إلى مخيم اليرموك- الذي يضم قوى متضاربة الميول والاتجاهات.
والسياسة العسكرية التي تقوم على مفهوم ((الدحر)) لا تهدف مطلقاً للقضاء على ((العدو)) لكنها تهدف إلى إخراجه وإبعاده عن منطقة ((ما)).. ولم يكن عمل قوى التحالف الدولي العاملة في العراق هو العمل على القضاء على داعش عسكرياً.. بل يهدف لمساعدة السكان والقوى العسكرية المقاومة على تحقيق أهدافها التي ليست سوى ((دحر)) العدوان وتحرير المناطق التي احتلتها.
لذا ظلت ارتال داعش ((عسكرياً)) في مأمن من الجميع.. ففي معركة ((كوبالى)) مثلاً ظلت تناور فيما يسمى بـ((الكر والفر)) دون أن تجد من يقطع خطوط إمدادها ويدمر آلياتها الثقيلة وعتادها الحربي الذي تقوم بسحبه وتتوجه به إلى أي تجمع بشري قريب منها سواءً كان سنياً أو مسيحياً أو يزيدياً.. دون أن تقترب من المناطق الشيعية التي تقول بمنطق معاداتها باعتبارها -داعش- فصيل سني.
وبعد كل عمليات القتل والإبادة التي تقوم بها في المناطق التي تمر بها ويذهب ضحيتها السكان العُزل.. تتجه -بكل عتادها العسكري- ومخازن ((ألغامها)) لتحتل إحدى المدن -كالموصل- مثلاً.. وتقوم بتفخيخ الطرق والمباني وتهدم ما تريد وتعدم من تشاء وبالعدد المطلوب للتضحية أو لتقديم ((الفدو)) والضحية سواء كانت كعدد أو حتى كميزان من ((الدم)).. وبعد أن تبدأ عملية حشد الحشود لإخراجها تقوم القوى ((الداحرة)) لها بأعمال تخريب لا تقل سوءاً عما قامت به داعش.. لكنها لا تزيد عن الخروج بعد زرع المفخخات والاتجاه إلى منطقة أخرى لاحتلالها دون أن تتأثر قوتها المتراجعة أو تصاب بأضرار جسيمة تعيقها أو تحول دون توجهها لمدينة أو منطقة أخرى.. فبعد الخروج من تكريت اتجهت بقوة وشراسة إلى مدينة الأنبار وإلى أكبر مصافي البترول في العراق.. ليبدو الأمر كما لو أن لدى داعش جيشاً قادراً على الانتشار في كل أرض العراق.. بينما واقع الحال يؤكد أن الذي يتحرك على الأرض هي نفس القوة المنسحبة أو المدحورة.
ولمن يعرف جغرافيا العراق.. فإن الأرض العراقية من سامراء حتى الموصل والشمال الكردي.. هي أرض منبسطة يسهل فيها مراقبة.. واصطياد كل الأرتال العسكرية المتحركة على الأرض.. ليس لإعاقتها فقط أو منعها من التوجه لمكان آخر.. لكن لإبادتها أو إلحاق إصابات تقعدها وتحول دون تحركها كقوة عسكرية قادرة على العمل.
ودون أن تتغير الاستراتجية الحالية التي تواجه بها داعش عن طريق ((حرب)) ما يسمى بـ((الدحر)) للإخراج والإبعاد.. فإن أمر داعش لا يمكن أن ينتهى.. ولا يمكن القضاء على قوتها العسكرية التي لم تتأثر منذ بدء الحملة العسكرية ضدها.. وفى حين أن عدد العسكريين الأجانب المستأجرين للعمل فيها أخذ في التزايد ويصل الآن لنحو سته آلاف مقاتل.. فإنه لا يوجد أحد يستطيع أن يخبرنا عن الأضرار التي تعرضت لها قوة داعش أو عدد قتلاها ومصير المصابين والجرحى.. أن الحرب ضد داعش تحتاج إلى عاصفة استراتجية شبيهة بعاصفة الحزم التي يقودها خيرة شباب المملكة والخليج.
- عبد الله باخشوين