د. عبدالواحد الحميد
جاء في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي عُقد مؤخراً في الرياض أن الجامعة بمفهومها التقليدي سوف تتغير؛ ما يقتضي أن نسابق الزمن لاستشراف ما سوف تكون عليه جامعة القرن الحادي والعشرين. وبالتحديد، فقد أكد البيان الذي ألقاه المشرف العام على الإدارة العامة للتعاون الدولي بوزارة التعليم الدكتور سالم بن محمد المالك احتياجات تتعلق بالطلاب في جامعات القرن العشرين؛ إذ قال: «يحتاج الطلاب، لكي ينجحوا في حياتهم الوظيفية، للحصول على مهارات تتجاوز إطار المعرفة المهنية، مثل: القدرة على التكيف، المرونة، الإبداع، الابتكار، مهارات التعاون والتحلي بالأخلاق القويمة والرؤية الشاملة».
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل تملك جامعاتنا السعودية إمكانية توفير هذه الاحتياجات في أوضاعها الحالية التي تعيقها بعض الأنظمة التي تحكم عمل الجامعات؟ بل ربما يكون السؤال الأكثر أهمية هو: هل يتحلى مجتمعنا بالمرونة الكافية لتَحَمُّل بيئة تتوافر فيها تلك المتطلبات التي أشار إليها بيان المؤتمر الدولي للتعليم العالي؟
واقع الحال أن مسافات شاسعة تفصلنا عن البيئة المثالية التي أشار إليها المؤتمر، فما زالت معوقات البحث العلمي كثيرة في جامعاتنا، وما زالت قيود الإبداع والابتكار ثقيلة ومرهقة!
ولكي نكون منصفين، فإن هذه القيود والمعوقات ليست فقط بسبب أنظمة الجامعات، وإنما أيضاً بسبب الفكر الذي يعشعش في رؤوس بعض أساتذة الجامعات، وهو فكر قامع ومقاوم للتغيير. وما قصة سحب الدكتوراه من سعيد السريحي عنا ببعيد.
بعض - وليس كل - أساتذة الجامعات تحكمهم أفكار ورؤى مسبقة في بيئة أكاديمية، يُفترض أن تتوافر فيها حرية البحث؛ ولذلك يثقلون كاهل الطلاب بوضع أطر غير علمية، تقود إلى نتائج محددة سلفاً تنتهي إليها بحوثهم، بينما الأصل هو أن البحث العلمي الحر هو الذي يقود إلى النتائج طالما أن منهجية البحث وأدواته سليمة. كما أن البعض تجمَّد عند حد معين من التحصيل والمواكبة، لا تتجاوز ما كان قد درسه قبل عقود من الزمن على الرغم من التغيرات الجذرية التي تحدث بشكل مستمر في النظريات والتطبيقات المتعلقة بالتعليم العالي في زمننا الحاضر.
لقد تضمن البيان جوانب كثيرة مهمة، يمكن التوقف أمامها طويلاً؛ إذ إن جامعاتنا تفتقر إلى الكثير منها، وبخاصة تلك التي تتعلق بالإبداع والابتكار. لكن الجميل هو أن وزارة التعليم حاضرة بقوة في هذا المؤتمر، وبوسعها الآن أن تتبنى ما انتهى إليه المؤتمر، وتسابق الزمن لتوفير البيئة التنظيمية والأكاديمية التي تتطلبها جامعة القرن الحادي والعشرين.