محمد أبا الخيل
استكمالاً لما طرحته في المقالين السابقين لعلاج البطالة التي باتت تشكل ظاهرة اجتماعية اقتصادية مقلقة ويتوقّع أن تتفاقم مع تزايد عدد المواطنين الباحثين عن العمل، في هذا المقال سأتحدث عن عوائق توظيف السعوديين ذات العلاقة بالهيكلية المؤسسية لمنظمات الأعمال من شركات ومؤسسات وبكفاءة قنوات التوظيف والمتمثلة بمكاتب التوظيف الحكومية والأهلية والعلاقات بين تلك المكاتب ومنظمات الأعمال.
منذ منتصف سبعينات القرن الماضي اعتمد الاقتصاد السعودي برمته على استقدام العمالة من الخارج ومنذ ذلك الحين تهيكلت منظمات الأعمال لتستفيد من الاستقدام وما يتيحه من واقع يحكم العلاقة بين المستقدم (صاحب العمل) والوافد (العامل) فتكونت في تلك المنظمات بيئة عمل تحكمها علاقة إذعان العامل لصاحب العمل وأصلت تلك العلاقة بسياسات ولوائح عمل، وباتت كفالة العامل الأجنبي سلطة يستخدمها صاحب العمل لتعظيم منافعه من تلك الحالة، فتمثّلت في تأخير دفع الرواتب واستقطاعات غير قانونية وتلاعب في استحقاقات التأمينات الاجتماعية وتهرّب من دفع مستحقات نهاية الخدمة وتشغيل العمال أوقات إضافية بلا تعويض عن ذلك. هذا الواقع لا يناسب توظيف العامل السعودي، حيث لا يملك صاحب العمل عليه سلطة الكفالة، لذا لم تكن كثير من الشركات والمؤسسات السعودية مناسبة لعمل السعودي إلا في حدود ضيقة جداً، وهذا الحال لا شك مختلف لدى الشركات المساهمة الكبيرة ولكنها أيضاً لم تسلم من وجود عقبات أخرى تتمثّل في محاربة بعض الوافدين لتوظيف السعوديين. هذا الواقع لا يزال يصبغ معظم الشركات والمؤسسات السعودية حتى يومنا هذه ويمثّل عقبة كأداء لتوظيف السعوديين.
في الاقتصادات المتقدّمة هناك قنوات للتوظيف تمثّل جسراً بين طالب العمل وصاحب العمل، وتتمثَّل معظم هذه القنوات بمكاتب التوظيف ولدينا في المملكة تولت وزارة العمل هذه المهمة منذ البداية وأسست مكاتب للتوظيف في كل مكاتب العمل المنتشرة في المملكة ولكن هذه المكاتب لم يكن لديها آلية فاعلة فقد كان دورها يتمثّل في تحويل كل طالب عمل بورقة موجهة لمؤسسة أو شركة محددة بطلب التوظيف ومعظم هذه التحويلات تنتهي بالاعتذار، ومنذ مطلع القرن الواحد والعشرين أصدرت وزارة العمل أكثر من 400 رخصة لتأسيس مكاتب توظيف أهلية، واجهت معظمها صعوبات تمثّلت في غياب آلية نظامية تحكم علاقاتها بقطاعات الأعمال فضلاً عن منافسة مكاتب توظيف أجنبية تعمل في الخارج أو أجانب يعملون من بيوتهم ولهم مصالح مشتركة مع متنفذين في بعض الشركات والمؤسسات الخاصة. لذا اضطر ما يناهز 300 مكتب لإقفال أبوابه وبات قليل من المكاتب العاملة الآن فعَّالاً وناجحاً.
مما تقدَّم يتضح أن علاج الخلل في هيكلة المنظمة السعودية وجعلها أكثر ملاءمة لعمل المواطن السعودي يتمثّل في تعديل نظام الكفالة وإعطاء العامل الأجنبي حرية أكثر في الانتقال من مؤسسة لأخرى بإرادته طالما هناك من يعرض عليه عمل، هذه الحرية ستنزع ميزة السلطة القسرية وستجعل السعودي موازياً للأجنبي من حيث العلاقة التعاقدية مما يزيل عقبة التفضيل للأجنبي، كما أن وضع متطلبات تنظيمية لكل مؤسسة تتمثّل في وضع لوائح داخلية ونظم إدارة رواتب كحد أدنى تنظيمي سيدعم الناحية التنظيمية للمؤسسات والشركات. ولا بد لوزارة العمل أن تدعم مكاتب التوظيف الأهلية بوضع تنظيم لعلاقتها بقطاعات الأعمال وتحميها من المنافسة غير العادلة من الأجانب وتفرض غرامات على كل شركة تستخدم وكالات التوظيف الأجنبية غير المرخصة في المملكة. وفي ختام هذه المقالات الثلاثة حول معالجة البطالة، لا بد من الإشادة بما تقوم به وزارة العمل من جهود ومبادرات، بعضها فعّال وبعضها لا بد من إعادة النظر فيه، ولكن لا بد من القول إن علاج ظاهرة البطالة يحتاج قرارات هيكلية وإستراتيجية لمواجهة تفاقم هذه الظاهرة، نسأل الله التوفيق والسداد لكل صاحب جهد في خدمة هذه البلاد وأهلها.