محمد أبا الخيل
مما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - في خطابة الموجَّه للمواطنين والمواطنات: «وفي مجال التعليم، فقد وجهنا بتطوير التعليم من خلال التكامل بين التعليم بشقيه العام والعالي، وتعزيز البنية الأساسية السليمة له بما يكفل أن تكون مخرجاته متوافقة مع خطط التنمية وسوق العمل». هذه العبارة تمثل إطاراً يحدد استراتيجية التعليم في رؤية الملك سلمان لمستقبل المملكة التنموي؛ إذ قال مخاطباً الطلاب في مختلف مراحل التعليم: «فأنتم استثمار المستقبل للوطن، ونحن حريصون كل الحرص على إيجاد فرص العمل بما يحقق لكم الحياة الكريمة». خادم الحرمين الشريفين وضع التعليم في قالب خاص ضمن خطابه السامي؛ ما يدل على اهتمامه بتحقيق تطور نوعي في التعليم، وتوحيد قيادة التعليم في وزارة واحدة، تضمن التكامل الاستراتيجي بين قطاعات التعليم ومراحله. وتطوير التعليم يستدعي تصوراً استراتيجياً لتحقيق تضافر بين المعلم، بوصفه محوراً للعملية التعليمية، والموارد والمقومات الأخرى، وهذا كان واضحاً في ذهن معالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل؛ إذ قال في معرض حديثه عندما ولي الوزارة: «المبنى والمنهج لا يعلمان الطالب.. بل المعلم»؛ لذا سيكون تطوير التعليم منصباً على تطوير المعلم وتمكينه من التقنيات والكفايات، كأولوية في عملية التطوير.
الحقيقة، إن المعلم لم يعد مصدر المعرفة المتفرد بها في عملية التعليم؛ فقد بات أمام الطالب مصادر متنوعة للمعرفة، وبات بإمكانه اكتساب مهارات بصورة ذاتية؛ وهذا ما جعل الدور التقليدي للمعلم يواجه انتقادات وضغوطاً؛ ليتحور لدور أكثر فاعلية في العملية التربوية والتعليمية. ومنذ أكثر من 10 سنوات، ومع انتشار الإنترنت وما توفره من كم هائل من المعلومات المكتوبة والمصورة، وتلك التي على هيئة فيديو ورسوم متحركة، طالب كثير من المفكرين بتغيير دور المعلم من الدور التقليدي الملتزم بمقرر ومنهج محدد إلى دور أكثر تأثيراً فيما يتعرض له الطالب من معلومات ومعارف متعددة المصادر. فانفتاح مصادر المعلومات والمعرفة جعل الطالب معرَّضاً للتأثير الفكري المتعدد، دون وجود تأهيل وإعداد لتوجيه اختياراته بصورة تحميه من الوقوع رهينة أفكار ليست صحيحة، أو ليست صحية بالضرورة؛ وهذا ما يجعل دور المعلم بحاجة لإعادة صياغة؛ ليكون المعلم ميسراً ومرشداً ومستشاراً للطالب. وهذا الدور يستلزم تغييراً جوهرياً في قناعات وكفايات ومهارات المعلم. فمعلم اليوم يجب أن يكون ملماً بتقنية المعلومات كوسيلة للمعرفة، وعليه أن يوظف كل ما من شأنه أن يبني الثقة والاعتمادية من قِبل الطالب؛ فيكون قريباً من طلابه في شبكاتهم الاجتماعية، ومتفاعلاً معهم، سواء كان ذلك في تويتر أو فيس بوك أو سناب تشات أو واتساب. وعلى المعلم أن يكون ملماً باهتمامات طلابه؛ ليصبح باحثاً عن مصادر المعرفة التي تعزز من تلك الاهتمامات وتصقلها.
المعلم في هذا العصر ليس كالمعلم في الماضي؛ إذ كان أستاذاً له هيبة وحضور وسيادة على الطلاب. فمعلم هذا العصر هو قائد لعملية التعليم، وميسر لها، وهو صديق للطلاب، وقريب منهم، يهتم بتوجيههم وإرشادهم لما ينفعهم، دون أن يكون رقيباً عليهم، يتصيد عثراتهم؛ ليعاقبهم عليها؛ لذا فالمعلم بحاجة لتغيير في مفاهيم العلاقة الجديدة، وبحاجة لتأهيل وتدريب؛ ليتمكن من الدور الجديد. وهذا - بلا شك - سيكون عملاً هائلاً، تضطلع به وزارة التعليم، وتؤمن لها الإمكانات والميزانيات الضخمة. ولا شك أن عملاً كهذا سيتطلب سنين من الجهد والبذل من قِبل الوزارة، ومن قِبل المعلمين، ولن يكون التحول المنشود خالياً من العقبات والعثرات.
ولتمكين المعلم من التقنيات التي تدعم دوره في التعليم على الوزارة أن تشرع في بناء شبكة المعلومات المدرسية، التي ستعتمد على بنية تحتية نظمية، وعلى مراكز خزن بيانية كبيرة لمصادر المعرفة المتنوعة الوسائط، ومراكز حاسوبية مدرسية لتمكين الطلاب من إنتاج وسائط التعليم الإلكترونية ونشرها كمحتوى تعليمي. فطالب اليوم لن يكون متلقياً للمعرفة فقط بل يراد منه أن يكون منتجاً لها أيضاً، وهذا الأمر أيضاً يستلزم جهوداً كبيرة وموارد مالية وبشرية وفنية.
في ختام هذا المقال، الذي أرجو أن يطلع عليه معالي وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل، أرجو الله أن يوفقه، وييسر له من يعاضده في مهمته الجليلة؛ فالتوقعات كبيرة، والمهمة شاقة، ولكن الثقة به كبيرة، ولا شك أن له من اسمه حظاً وفيراً.