د.فوزية أبو خالد
للخروج على مشروع إيران العدواني الطائفي بالمنطقة العربية لابد من مواجهتها بالردع العسكري والتحدي الحضاري .
هل لو كانت إيران تملك مشروعا سياسيا حضاريا لدولتها وشعبها يقوم على الحرية والكرامة والتنمية على مستوى الداخل ويقوم على التجاور السلمي
والأفق الحواري الندي على مستوى علاقاتها الخارجية، كان الاتفاق الإيراني النووي سيشكل أي مصدر من مصادر القلق والتساؤل لأي عاقل با لمنطقة أو خارجها إذا ما استثنينا إسرائيل.
هل لو كان هذا المشروع الإيراني المفترض يقوم على التعايش لاعلى الصراع وعلى السلام لا على الحرب وعلى تعددية إقليمية عادلة لاعلى خلق ميليشيات طائفية تنفذ مخططات عدوانية عاجلة وتراكمية معا ضد دول المنطقة وشعوبها، كان الموقف العربي على الأقل سيكون مختلفا في النظر لتلك الإمكانية باعتبارها مصدرا للمنعة الإقليمية لامصدرا لخطر إقليمي ماحق لايختلف عن خطورة القنبلة النووية لإسرائيل.
هل لو لم تكن إيران تتخذ هذا الموقف الاستقوائي العنفي تجاه المنطقة العربية بما تفوح منه رائحة الدم من خلال احتراف الحروب بالوكالة وعبر خلق وحدات قتالية ملغمة طائفيا على الأراضي العربية لتوسع تدخلها في الشأن العربي ولفرض سيطرتها على خيارات الشعب العربي السياسية والوطنية، كان الاتفاق الإيراني النووي ليشكل إضافة ذات وزن سياسي وعسكري كبير لخلق مزيد من التعقيد لإشكالية علاقة إيران بالمنطقة سواء لجهة تمكينها المالي العسكري عبر رفع العقوبات الاقتصادية عنها أو لجهة تقويتها سياسيا بتطبيع العلاقات الغربية والأمريكية معها زائد الصين في الوقت الذي تلغ فيه ميليشياتها بالنيابة في الدم العربي بالعراق وسوريا ولبنان واليمن.
هل لو لم تقم أمريكا بقيادة مفاوضات إيران على التسلح النووي بيد وتسليم إيران مقاليد الأمر في العراق باليد الأخرى مع تركها تعاضد النظام السوري في سحق انتفاضة الربيع العربي وقتل وتشريد الشعب السوري، وإغماض العين في حمى المفاوضات النووية مع إيران عن حمى تسليح الأخيرة للحوثين ضد الشعب اليمني وللانقلاب على حكومته الشرعية ورئيسها المنتخب، كان اتفاق لوزان بما رفعه عن إيران من ضغوط مالية ودبلوماسية سيشكل كما يقول المثل الأمريكي «الكرزة على الكيكة»؟!
هل لو لم تكن الدولة الإيرانية تقوم على أساس نظام ديني طائفي صفوي انعزالي لايرى سبيلا لإشباع رغباته السياسية في التوسع والهيمنة العسكرية إلا بخلق حالة متوترة من التمييز الشوفاني المذهبي وبنشر بؤر ملتهبة تقوم على التصادم والصراع الطائفي، كانت أمريكا والغرب ستهتم بإطلاق يده في المنطقة كمزيد من الوقود لحربها على الإرهاب باستخدام ورقة الاحتراب الطائفي. وهل كانت أمريكا ستعيد لعبتها في أفغانستان الثمانينات عندما أدخلت العامل الديني في صراعها مع السوفيت وأججت التشدد، حيث جرى خلق تنظيم القاعدة والدفع به تحت مظلة السياسة الأمريكية وطبيعة صراعها بالمنطقة في تلك اللحظة التاريخية. بما تشكل مقاربة له التقابل الداعشي والميليشوي الإيراني.
هل لو لم يكن هناك تداخل بين المصالح الأمريكية وبين إيران لتوتير المنطقة طائفيا من ناحية ولخلق تحالف بين أمريكا وإيران، كان الرئيس الأمريكي سيعتبر ختام مفاوضات لوزان النووية «تفاهما تاريخيا» بما يشير لرمزيته في طي صفحات العداء المعلن بينهما لأكثر من 3 عقود ولفتح صفحة جدية من المصالحة على أساس من تبادل المصالح الأمريكية الإيرانية التي يصعب حسب السجل التاريخي للعلاقات الأمريكية بالمنطقة قبول فرضية أن إسرائيل ليست شريكا فيها.
هل كانت إيران أقل بطشا بالربيع العربي وبشعوبه المجاورة وأقل اختطافا لاندلاعاته وبالأخص في سوريا من تلك الأنظمة التي أراد الشعب العربي الثورة عليها؟ وهل تستطيع الدولة التي يقوم نظامها على واحد من أعتى الأنظمة الأثيوقراطية في علاقات سلطوية غاية في المركزية، أن تكتفي بمناكفة دول المنطقة ومنازعتها على القيادة الإقليمية دون أن يكون من أهدافها العظمى تكسير أجنحة شعوبها وإدخالها في تناحر طائفي؟ نطرح هذا السؤال تحديدا على تلك القلة ممن قد يخيل لهم إمكان المراهنة على نظام الدولة الإسلامية لإيران لتغيير ميزان القوى الداخلي لصالح طائفة على أخرى، فهو رهان لايختلف في خطورته عن المراهنة على الداعشية لمناصرة فئة على أخرى. فيما أن الخيار العقلاني للشعب العربي بشيعته وسنته هو النضال المستقل عن التحزبات المذهبية أياً كانت من أجل إحقاق العدل الطائفي وسواه من استحققات العدل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمساواة في دولة مدنية أمام القانون داخل مجتمعاتهم وليس بالاستعداء عليها.
*******
أما السؤال الأولوي المؤلم في هذه القائمة من أسئلة مساءلة الواقع ومحاسبة الذات التي طرحنا بعض منها كعينة لما يدور في خلد كل مواطن عربي شيعيا أو سنيا مسلما أو من ديانة أخرى جراء عدائية إيران غير المبررة لمحيطها العربي وجراء تمكينها الأمريكي منذ احتلال العراق إلى ختام مفاوضات لوزان من «التطمع» والمضي في ذلك النوع من العداء الطائفي المؤسسي التفتيتي، فهو السؤال النقدي التالي:
هل كان العالم العربي يصير مغريا مستساغا مستسهلا للأطماع الإيرانية لو أنه كان على غير ماهو عليه من الاستباحة للقوى الأجنبية الغربية والأمريكية ماقبل ومابعد الاحتلال الامريكي للعراق، بل ماقبل ومابعد اكتشاف النفط، ولولا مايواجهه من الانهزام التاريخي أمام شوكة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي لأرض فلسطين المغروسة في خاصرته ماقبل ومابعد نضاله التحرري على مدى مايتجاوز نصف قرن من الزمان؟
هل كان العالم العربي ليكون مطمعا للعبة الطائفية كآنية قابلة للكسر لوكان هو نفسه استطاع تطوير نظام سياسي ودولا غير قابلة للاختراق الطائفي تقوم على الوحدة والتعدد السياسي والاجتماعي بما يسد باب ذرائع قابلية الاحتراب الداخلي، وبما كان سيحصن الجبهة الداخلية لكل دولة من الدول العربية بالعدل الاجتماعي والمساواة القانونية والشراكة الوطنية.
هل كان العالم العربي وماتبقى من دوله وخاصة دول منطقة الخليج لتتوجس من الاتفاق الإيراني الخماسي زائد واحد لو أنه كان سيخلق حالة من الوفاق الأقليمي بين إيران وجوارها العربي ويستثمر في مجال الاستقلال الاقتصادي والعسكري كشرط لأي استقلال وطني حقيقي للمنطقة عن الإرادات الطامعة بثرواتها؟!
وهل كنا شعوبا ودولا عربية لنقلق من «إيران جيت» أولا بالثمانينات أو من «إيران جيت الراهنة» لو كنا نملك مشروعا وطنيا وحضاريا عربيا يعري الطبيعة الطائفية الصفوية للنظام الإيراني في علاقته بذاته و بجواره العربي، ليشكل مثل ذلك المشروع المشتهى نموذج جدير بالاحترام الدولي وإن كرهوه وجدير بخلق توزان كقوة إقليمية يحسب حسابها في موازين القوى الإقليمي والدولي للمنطقة.
لقد أبتاع لنا الاتفاق النووي مع إيران بضع سنوات مستقبلية دفعنا بعض أثمانها مقدما ليس فقط من جيوبنا بل من دماء شعوب عربية كاملة وليس لنا لئلا نقول بعد خمسة عشر عاما ما أشبه الليلة بالبارحة أو في لوزان ضيعنا فرصة التوازن الإقليمي إلى الأبد، لابد من خطة طريق للخروج على جبروت الاستقواء الإيراني وسواه من قوى الهيمنة على المنطقة وأقدارها السياسية. وهذا لن يكون بدون منعة عسكرية مستقلة ولابدون مشروع حضاري وطني يقوم على أسس سياسية غير مرتهنة للانتماءات والولاءات التقليدية وبشرط مشاركة كل أطياف وأطراف القوى الوطنية في تصوره وفي العمل عليه وبه لمواجهة أي تحديات وجودية أو أمنية أو سياسية أو سواها أي كانت مسمياتها. أما متى وكيف وبمن فهذا هو السؤال الأصعب ولكن ليس بالمستحيل. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.