د.فوزية أبو خالد
لم تمر حروب بالمنطقة باستثناء حروب المواجهة مع العدو الإسرائيلي في احتلاله الاستيطاني لأرض فلسطين دون أن تثير زوبعة من الاختلافات العربية العربية والداخلية في حدود الوطن الواحد. ولا دون أن تتسبب في عواصف من الانقسامات المريعة على مستوى الشارع العربي وعلى مستوى مواقف أهل الفكر وأهل السياسة معا.
هذا عدا -بطبيعة الحال- ما تثيره الحرب من رعب على الأرواح والأوطان. فالحرب ليست إلا محاقا يلحق الشعوب وإن انتصرت الدول. والحرب لا تكون إلا فيما ندر كالحمل كره على كره و لكن خوضها كالولادة قسوة لا بد منها لخروج حياة جديدة.
والحقيقة أنه منذ حرب أمريكا على العراق انفتح باب حروب فادحة على مصراعيه بالمنطقة العربية. أحيانا على مجرد الهوية الوطنية ومعظم الأحيان على الهوية الطائفية بتوظيف الدين والمذهب تحت شعارات سياسية.
فأصبحت الشعوب تدفع دفعا وحشيا نحو حروب «طائفية « فادحة تحرق الحرث وتقطع النسل وتعيد المنطقة إلى ما قبل عصر الكهرباء وحقوق الإنسان. فمن المليشيات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى اليمن إلى مليشات داعش التكفيرية في العراق وسوريا وليبيا.
غير أن الملفت كما جاء في تقرير عن معهد واشنطن للدراسات الإستراتجية أن عملية «عاصفة الحزم»، حصدت منذ ساعاتها الأولى من التأييد الدولي والوطني والشعبي ما لم تحظَ به إلا حرب 1973م في المواجهة مع العدو الإسرائيلي.
فمنذ تحول التماعات الربيع العربي إلى حرائق بواح على الأوطان والشعوب التي بادرت بإطلاق بوارق الأمل بمراحل وطنية عادلة وديموقراطية، والعالم العربي يتجرع مرارة الخيبات وفواجع تحول أحلام الحرية والكرامة والعزة الوطنية إلى حالة من التشظي وتشرد الشعوب بل ذبحها حية على الهواء.
ولهذا فقد جاءت «عاصفة الحزم» بمثابة رد اعتبار لماء وجه المنطقة ونوافير دماء شعوبها المتناثرة على الطرقات والحدود في وجه تلك الأيدي الدموية وقفازاتها القذرة من المليشيات الطائفية التي تريد بالحديد والنار وضع زمام القيادة الإقليمية بالمنطقة في يد إيران. وربما بإشراف إسرائيلي وأمريكي. فليس ثمة صفقات سياسية بلا أثمان وبلا تقاسم غنائم المستضعفين.
لقد جاءت «عاصفة الحزم» أيضا بعد أن اكتوت المنطقة بحروب لم يكن للشعوب فيها إلا موقع الضحية بأيدي دولها حينا ومن قبل قوى آل لها الأمر دون حد أدنى من الدربة السياسية حينا آخر, وبأيدي الخوف العربي المزمن من الانتقاضات الشعبية، بالإضافة لولوغ تلك لأيدي الدموية وأكفها القذرة المتمثلة في أطماع الهيمنة الإيراني الطائفي.
كما أن «عاصفة الحزم « جاءت، وبغض النظر عن جدل جهل أو علم أمريكا بها، في الوقت الذي بدا واضحا استقواء إيران بالموقف الأمريكي سواء لجهة الاتفاق النووي التطميعي بقيادة المنطقة بإطلاق يد إيران ماليا وعسكريا أو لجهة التلويح بأن لا حل لدمار الحرب في سوريا إلا بترميم العلاقة مع نظام قتل شعبه ومحا بلاده لأربع سنوات متواصلة بيده في يد تحالفه الإيراني الدموي.
ولا بد أن مبادرة «عملية الحزم» تعبر أيضا عن الضيق بمراوحة ضربات التحالف الدولي على المواقع القيادية لداعش التي لم تستطع إلى اللحظة تجنيب المنطقة خطر المزيد من الانزلاق نحو التناحر الطائفي السني الشيعي بيد داعش الانعزالية من ناحية وبيد الميلشيات المذهبية من ناحية أخرى. وهي بهذا بمثابة خروج على الصبغة الطائفية التي يجري محاولة لصقها بالصراعات السياسية السياسية بالمنطقة.
فعاصفة الحزم لا تقول لااااااا فقط لمزيد من محاولات تمدد النفوذ الإيراني وهذا حق من حقوقها وهدف وطني نبيل من أهدافها بمنع الإخلال بتوزانات القوى الإقليمي ولكنها تقول أيضا لاااااا لجر المنطقة نحو حمام دم الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة على أرض اليمن فيما لو أقمحت القاعدة أو داعش نفسها على الخط باسم مناصرة سنة اليمن على شيعته أو بمثل ما فعلت إيران في الانقلاب على الشرعية المنتخبة باليمن لصالح القلة الحوثية كمناصرة طائفية وإن أخفت تحتها ما لا يخفى من مطامعها التوسعية باتجاه الجزيرة العربية ولإيجاد مدخل لها على المضيق الحيوي لباب المندب.
إن «عاصفة الحزم» في رأيي تقوم على أربعة أركان بعمقها السياسي والعسكري وفي بعديها الحاضري والمستقبلي. ووضوح وعلانية والمحافظة على هذه الأركان هو ما يزيد من ثقة الشارع العربي عامة والخليجي خاصة بها ويقودها نحو أهدافها السلمية في تجنيب منطقة الخليج الانجرار لما لحق المنطقة العربية من إكراه على العيش في حروب مفتوحة لا قاع لها.
وهذه الأركان على التوالي هي:
1- دوافع عاصفة الحزم المشروعة كاستجابة لمطلب أغلبية الشعب اليمني وقواه الوطنية بإعادة الشرعية المنتخبة. وكاحتواء استباقي لدخول قوى انعزلية على الخط كداعش أو القاعدة تجر اليمن لاحتراب أهلي طائفي, خاصة في ظل الاستقواء الحوثي بإيران ومحاولة النظام الإيراني لبننة الحوثي وتحويله إلى ميلشيات يمنية على الهوية المذهبية كحزب الله في لبنان وميلشياتها العربية الأخرى بالعراق وسوريا القائمة على أولويات الولاءات الإيرانية، بما لو ترك سيشكل خطرا أكبر على السلم الوطني لليمن ولجواره الخليجي. وقبل ذلك وفي سياقه دافع «عاصفة الحزم» الوطني المشروع في وضع حد للاستزلام الإيراني لتغيير موازين القوى الإقليمي لصالحها على حساب دول المنطقة وشعوبها.
2- طبيعتها اللاطائفية غير المتسترة بمسميات انعزالية. فطبيعة «عاصفة الحزم» معلنة منذ لحظاتها الأولى كموقف سياسيى عسكري سيادي، يأتي في رأيي بعد تأني طويل كفعل مقاومة لرفض محاولات فرض الوصاية الإيرانية على الإرادة السياسة الجمعية لليمن ومحاولتها تحويل الحوثي إلى حصان طروادة طائفي تتسلل منه إلى جزيرة العرب. كما تأتي كفعل مقاومة لمحاولة النظام الإيراني خلق واقع جغرافي وسياسي جديد يخل بالتاريخ السياسي والاجتماعي للجزيرة العربية التي لم تعرف يوما وجودا أجنبيا إكراهيا على أرضها.
3- قواها المشتركة خليجيا وعربيا وبتأييد إقليمي ودولي والأهم الالتفاف الشعبي والوطني حولها. وتفوقها معنويا على حرب الخليج الثانية بما أنه ليس من قياداتها وأطقمها المقاتلة أي قوى غربية.
4- وضوح أهدافها وهذا أحد أركانها المفصلية. فمناصرة الشرعية اليمنية وتجنيب اليمن مزالق الاحتراب الأهلي أو الارتهان لابتزاز قوى أجنبية على أرضه تؤدي -لا سمح الله- إلى عرقنة وسورنة اليمن هدف من أهدافها النبيلة. وبالإضافة إلى ذلك هناك هدف عادل آخر وهو الخروج على تاريخ التردد الخليجي في الدفاع عن حقوقه وسيادته بنفسه, بجانب هدف وضع حد للاستخفاف الإيراني بإرادة دول المنطقة وشعوبها في تخير مصائرها خارج مدارات الثأر والاستئثار في علاقات سلطوية انقيادية غير عادلة. وفي هذا الإطار فإن هدف الأهداف الذي لا بد أن يكون نصب عين عاصفة الحزم هو إخراج المنطقة من الصراع السياسية بكل أهوائها وهوياتها الضيقة والفضفاضة وإيقاف طواحين الحروب المفروضة علينا اليوم منذ 2003 نحو «سلام عادل» يحترم الاستقلالية والسيادة الوطنية لمنطقة الخليج ويقدر إرادات شعوبها في تخير قياداتها.
وبعد فهذه الأهداف تقتضي سرعة الحسم العسكري ما أمكن, والتساند الخليجي لمد يد المساعدة الاقتصادية لليمن كجار ند وبناء ذلك, على غير سياسات الماضي, بالتحالف مع ممثلي الشعوب واحترام إراداتها في التغيير. كما أن هذه الأهداف تقتضي تحصين الجبهة الداخلية المحلية ليس بالمنع ولا بالقمع ولكن بالعدل والمساواة والتحول السلمي من الأنظمة الرعوية نحو صيغ جديدة للمشاركة السياسية. وكذلك تقتضي هذه الأهداف الاحتكام للقانون ولشرعة حقوق الإنسان وكفالة حرية التعبير السلمي مع تقويض أي ذرائع في البنية السياسية والاجتماعية كالإقصاء والتهميش والتشكيك التي قد تؤدي -لا سمح الله- إلى التحشيد على هويات فرعية على حساب الهوية الوطنية. وبعد أيضا فعاصفة الحزم يمكن فعلا أن تستثمر هذا اللحظة الالتحامية بين دول الخليج بعضها البعض وبينها وبين شعوبها لتخلق مشروعها الوطني بأطر فكرية وسياسية أكثر استجابة لتحديات المرحلة التي هي في حقيقتها تحديات وجودية وليست عسكرية وسياسية وحسب.
وليس أخيرا فلا بد من الرجوع للتحذير أعلاه بأن هذا المقال قد كتب بمداد مادة شديدة الخطورة. أنها مادة حب الوطن ممزوجا بإرادة السلام وبماء الأمل بأن تكون «عاصفة الحزم» كمسماها عملية حربية قصيرة رادعة حاسمة، لا تسمح بحرب فادحة ولا خادعة. لتشكل مبادرة لإرادة المنطقة الوطنية المستقلة في الخروج على المحاقات المحدقة.