د. حسن بن فهد الهويمل
كُتِبَت الحلقتان الأولى، والثانية قبل [عاصفة الحزم]. ويقيني أن القيمة الموضوعية، والأهداف المبتغاة قائمة، على الرغم من أن العاصفة أقرت خطاباً جديداً، أقال عثرة الأمة العربية، وأعاد لها ما كانت فقدته من قبل.
بسبب انحراف الثورات الشعبية عن مسارها الصحيح، وتدخل قوى أجنبية لجني الثمار.
إن مشاكل [الربيع العربي] التي أتت على الحرث، والنسل، وأزهقت الأرواح البريئة، ودمرت المثمنات، وأشاعت ثقافة العنف، والكراهية، وشوهت الإسلام، واستعدت عليه شعوب العالم، هي الحاضن المخصب للعدو الحقيقي، وهي الجديرة بالاهتمام.
وليس بضائر الأمة العربية أن يُرفع ملف [الاحتلال الصهيوني] حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
لا نختلف أبداً حول الخطر الصهيوني، والتآمر الصهيوني، والبراعة الصهيونية في صناعة اللعب السياسية القذرة. وكيف نقلل من أهميتها! وهي تفعل فعلها في أمريكا، وينتشر وباؤها في أوربا.
والوجود الصهيوني وسط العالم العربي، يشكل بيت الداء، ورأس الخطايا، ولكن الأحداث الدامية، والاستشراء الإرهابي، والتوسع المجوسي الصفوي الحاقد، وارتياب الأمة العربية من أصدقائها التقليديين أذهلها عما سوى ذلك.
ولم يعد بوسع الإنسان العربي أن يفكر بشيء خارجٍ عن ظاهرة الإرهاب المؤسسي المنظم، الإرهاب الدولي الذي يتلبس بلبوس التنظيمات، ويوصف بالشراذم.
هناك [أجِنْدة] غربية صهيونية خطرة، ومشاريع استعمارية ضد الإسلام السنِّي، والزيدي، والتشيع العربي المعتدل. ومع الحقد المجوسي المتقنع بالتشيع. دول عربية تفقد سيادتها، وقوميتها، وتقتل ذاتها، لتعيد أحداث [الفردوس المفقود].
إن الذين يحاربون الإرهاب بألسنتهم، ووسائل إعلامهم، يمدون بينهم، وبينه [كيابل] لا يعلمها إلا الراسخون بعلم السياسة.
وعلى الأمة العربية: سنة، وزيدية، وشيعة معتدلة، لكيلا يطول معها زمن التيه أن تعيد حساباتها، وأن تمارس بشجاعة ترتيب أولوياتها، وألا تتردد بجعل الوجود الصهيوني في المرتبة الرابعة، أو الخامسة، والعدو المجوسي الصفوي في الدرجة الأولى.
إن ملف إسرائيل لم يكن الملف الأهم، واتخام الذاكرة بهذه [الترويسة] المهترئة، مؤشر جهل بفقه الواقع والأولويات، وتضليل للرأي العام، واستمرار للغفلة المعتقة، التي فوتت على الأمة فرصها النادرة.
دعونا نفكر بالأهم، ونجند طاقاتنا لمواجهة الأخطر. الإرهاب التوسعي المتقنع بـ[الداعشية] و[الحوثية]، و[الحزبية المتألهة] أصبح الخطر القادم، لأنه المطية الذلول للأطماع التوسعية للمجوس. وحين يَصْدُق العالم في مواجهته، يخلِّص الأمة العربية من آثاره السيئة.
إن من الخطأ الفادح أن نتصور الغرب جندياً، يأتمر بأمرنا ويحمل همنا، ويدفع عنا غوائل الفتن، ما ظهر منها، وما بطن. والحق أن نتولى جميع أمرنا.
ما حَكَّ جِلدَك مِثلُ ظُفرِك
فَتَوَلَّ أَنْت جَميعَ أمْرك
[إيران] المجوسية، قتل أشقاها [الفاروقَ]، فأحيت ذكره، وأقامت له النصب، ومجدت تاريخه، لا لشيء، إلا لأن [عمر] -رضي الله عنه- فتح فارس، وأدخل الإسلام فيها.
إيران اليوم من الرعاة للإرهاب، الممولين له، الناشطين في رسم الخطط له. والعالم يعرف ذلك تمام المعرفة، بل يبارك مساعيها، ويغض الطرف عنها. لأنه يجد فيها القوة الحاقدة على الأمة العربية، والساعية لتمريقها. وهل أحد يجهل ما آلت إليه الأحوال في العراق والشام ولبنان واليمن؟
ومن وراء [إيران]، [روسيا] التي لا تقدر على مواجهة الغرب، وهي سباقة إلى تصفية حساباتها مع الإسلام العربي السني، الذي عَجَّل تفكيكها. ولما يزل الصراع على أشده بين الإسلام، والماركسية، وخير جواب لتدخلاتها ما قاله الأمير [سعود الفيصل] في القمة العربية، حين تليت رسالة من [بوتين]، وهي اليوم في مجلس الأمن ترتدي مسوح الإنسانية، بطلبها إيقاف العاصفة، متناسية أفاعيلها في الشعب السوري الأعزل.
إن أحداث الأمة العربية فرضت أعداء جدداً، لا تكون إسرائيل منهم في رأس القائمة. الذين يشكلون العصابات الطائفية، ويبررون وحشيتهم بدعوى المقاومة، والممانعة، يخادعون الأمة العربية، ولا أحسبها خادعتهم. إنها حروب استنزاف، تخدم الأعداء، وتمكن لهم من رقاب الأبرياء.
العدو الحقيقي من يملك القدرة على تزييف الوعي، وقلب الحقائق، وإجهاض الولاء للعقيدة، والوطن، وأهل الحل، والعقد.
العدو الحقيقي من يُعَتِّم المحجة البيضاء، ويُقِرُّ التأويلات الفاسدة.
العدو الحقيقي من يتخلى عن عقيدته، لمجرد أن الإرهابيين يتشحون بأردية الإسلام زوراً، وبهتانا.
العدو الحقيقي من يتصدر للفتيا، ويزج بفلذات الأكباد في أتون الفتن، وهو متكئ على أريكته، ومن حوله أهله، وأبناؤه، وأحفاده، وهم يرفلون بحلل، الأمن والرخاء.
العدو الحقيقي من يرتمي بأحضان المدنية الغربية، ويظن أنها الحل الأمثل لمشكلة الأمة العربية.
العدو الحقيقي من يعزل حضارتنا عن التواصل، والتفاعل، والتعايش مع سائر الحضارات الإنسانية، ويحول دون أن نتبادل معها المعارف، والمصالح.
العدو الحقيقي من يحرض على جهاد الطلب، وهو لا يملك القوة لجهاد الدفع.
العدو الحقيقي من لا يعرف قدر نفسه، ولا قدر الآخرين. ومن ثم يزج بأمته في حروب غير متكافئة، ويُشَرْعِنُ للعدو القوي كسر العظم.
الأعداء الحقيقيون من يتهمون أمتهم بتصدير الإرهاب، ويتهمون مؤسساتهم بتخصيبه، ويستعدون العدو عليها بهذه المفتريات.
العدو الحقيقي من تمتطيه المجوسية الصفوية، وتحمله على خيانة وطنه، وعقيدته، وقوميته.
العدو الحقيقي من تلبس عليه الحقائق، ويزيف وعيه، ويحمل على تخريب بيته بيده.
ولعل القرار الحكيم ببدء [عاصفة الحزم] ممارسة عملية لمواجهة العدو الحقيقي.
إنها ناتج قراءة صحيحة لواقع الأمة العربية، ومباشرة للمهمات الصعاب، دون انتظار معونة، أو توجيه، أو أخذ أذن من الآخر.
لقد أخطأنا في التقدير، والتدبير حين قصرنا رؤيتنا على قضايانا التقليدية، وغفلنا، أو تغافلنا عما جد من قضايا تمثلت في التمدد الصفوي، وخلق صراعات طائفية ما كنا نعرفها من قبل.
وكم هو الفرق بين التشيع المجوسي، والتشيع العربي الذي اتخذته المجوسية مطية لأطماعها التوسعية، وزجت به في أتون الفتن.
و[عاصفة الحزم] اكتساح للحوثية التي مكنت لإيران من اليمن، بعد أن عاثت فساداً في العراق، والشام، ولبنان، وكادت تجر السودان. وهي ماضية في تحقيق أحلامها التوسعية، ولكن [عاصفة الحزم] قلبت الموازين، وغيرت وجه التاريخ، وفاجأت العالم بما لم يخطر له على بال. وجاء ملك العزمات بالأخبار لمن لم يزوده، وكنا من قبل نأتي بها لمن زودنا.
إنها بداية القراءة الصحيحة، وهي أولى الخطوات الراشدة في سبيل النهوض من الكبوات. ولما لم أزل أقرأ كتاب [التشيع العربي والتشيع الفارسي] فإنني أرجي الحديث المفصل عن الفوارق بين الشيعتين، حتى آتي على آخره. فالطوائف الشيعية العربية عايشت السنة، وتصالحت مع سائر الملل والنحل العربية، وما أفسد علاقاتها إلا التشيع الفارسي.
وتبقي إسرائيل عدواً ثانوياً، ونبقى نردد [في الفخ أكبر من إسرائيل].