د. محمد البشر
كلنا نحب اليمن، نحبه بجميع قبائله، وجميع مذاهبه، وجميع أطيافه، وجميع ألوانه السياسية، نحب اليمن الذي نعرفه عربي الهوى، عربي الوقفة، عربي الاتجاه، نحب اليمن المشارك في الجامعة العربية، والقضايا العربية، والمصالح العربية.
اليمن هو أصل الكثير من العرب، ومنبع حضارتهم، والسابق في مجدهم، والمساهم في رقيهم. فكم من قائد عربي في اليمن حارب في سبيل نشر الإسلام وعلو كعبه، وكم من قائد وجندي يمني حارب الفرس، وحارب الروم، ومن سواهم، وكم من قائد وجندي يمني ساهم في فتوحات الشمال الإفريقي، وكذلك في الأندلس الذي كان لليمنيين دور كبير في نشر الإسلام وبقائه هناك مدة تربو على ثمانمائة عام.
هذا هو اليمن الذي نعرفه، ولا نعرف عنه سوى ذلك، وهذا هو اليمن الذي نريده ولا نريد غير ذلك، وهذا هو اليمن الذي يجب أن يكون ولا غير ذلك.
المملكة العربية السعودية، ودول الخليج وقفت مع اليمن أثناء حكم الإمامية، بمذهبها، وأثناء الحكم الجمهوري، مع اختلاف انتماءاته واتجاهاته، وقفت مع قادة لليمن أصحاب خلفية عسكرية، وآخرين أصحاب خلفية فقهية، وغيرهم قيادات قبلية، ولم تفرق بينهم.
المملكة العربية السعودية ودول الخليج أنفقت الأموال الطائلة في تنمية اليمن، دون منّة، ففتحت الطرق، وأنشأت المستشفيات، والمدارس، والجامعات وغيرها في ربوع اليمن، دون تمييز لمنطقة، أو مذهب، أو قبيلة، ولم تطلب قط مقابل ذلك موقفاً سياسياً. وستظل كذلك.
المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، تنفق بسخاء دون مقابل، وعندما ابتليت اليمن في الفترة الأخيرة بالإرهاب ممثلاً في القاعدة، كانت المملكة العربية السعودية ودول الخليج، رأس الحربة في محاربته، والقائمة على تخليص اليمن من مآسيه، والفاعلة والجادة في القضاء عليه، وكان المال ينفق لتلك الحرب، وتنوعت وتعددت الأدوات، فكانت مساهمة فاعلة في الميدان، وفي الحصول على المعلومات، وفي توظيفها، وحشد العالم للمساهمة في القضاء على ذلك الداء الذي استشرى في العالم أجمع بما فيه اليمن العزيز، هذه الحرب كانت وما زالت حتى يومنا هذا، لم تخبُ نارها، ولم تطفأ شعلتها، ولم تلن السواعد التي تساهم في محاربتها، وقد فقدت المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، بعض أبنائها في محاربة تلك الفئة الضالة، طامحة في القضاء عليها في اليمن وغير اليمن، وتحملت في سبيل ذلك الكثير من المصاعب، لكنها -بإذن الله- قادرة على خلاص العالم من هذا النهج غير السوي، الذي مع كل أسف جعل الإسلام له شعاراً، والإسلام منه براء، براءة الذئب من دم يوسف، فكيف لدين يدعو إلى السلام، ويبدأ بالسلام، ويحترم الغير، ويحرم قطع الأشجار، وقتل الأسير، أن يكون كما يصوره هؤلاء.
مشكلة اليمن الحالية أن فئة منه أقصت الشرعية، وفسخت لباس العروبة، ولبست ثوباً آخر مغايراً، وجعلت مذهباً بعينه سلاحاً يرافق ما يصل إليها من سلاح غير عربي، ولمصالح غير عربية، وبنفس مذهبي طائفي، فكان قناعاً أسود بالياً معروفاً، أراد به أولئك ستر الحقيقة وإخفاءها، حتى يجتمع من حولهم ممن لا يدركون المرام، ولا يقرءون السطور، ولا يعلمون الغاية، ولم يكن لهؤلاء القدرة على ذلك لولا مساعدة فاعلة وقوية من قوة أخرى على الأرض كانت محاربة لهم عندما كانت في السلطة، ثم ما لبث أن وضعت يدها بيدهم طلباً للسلطة، أو الانتقام، أو هما معاً.
هذا الزخم الكبير من الدعم العربي والعالمي لعاصفة الحزم يدل دلالة واضحة أن المملكة العربية السعودية لها ثقلها العالمي الكبير، وأنها أصبحت ذات نفوذ عالمي، وليس عربيا أو إسلاميا فقط، وأن مواقفها من أي قضية كانت تحظى بالإجماع العالمي الذي يقل نظيره، العالم أجمع لم يكن سيقف هذه الوقفة لولا معرفته بأن المملكة حازمة وعازمة، في عاصفة الحزم، وأنها جادة كل الجد لتحقيق أهدافها، ومن ضمنها رجوع الشرعية. الشعب اليمني العزيز، لا يستحق هذه الحروب، ولا يستحق هذه الآلام التي عاشها خلال العقود الأخيرة، فقد كان مع كل أسف، ينتقل من حرب إلى حرب، ومن ضرب إلى ضرب، فكانت حروب قبلية، ثم حرب الشمال والجنوب، وحرب الحوثيين الأولى، ثم حروبهم المتتالية في الفترة الأخيرة.
إن الشعب اليمني شعب يتمتع بالحكمة والروية، لكن الأهداف والغايات الوافدة من خارج اليمن جعلته يعيش هذا المشهد المؤلم، فأولئك الطامحون إلى تطويق جزيرة العرب، قد رسموا، وبيّتوا، ونفّذوا، ونجحوا في خطوات محدودة، لكنهم لم يحققوا مرادهم، ولن يحققوه بإذن الله.
اليمن سيعود إلى الأمن والاستقرار والرخاء، وسيعود إلى التنمية المستدامة، وسيعود إلى بيته العربي، وسيلج من أوسع أبوابه، سوف يفسخ تلك العباءة السوداء التي ليست عباءته، وسوف يلبس الغترة العربية البيضاء، التي هي بحق لباسه، سيكون اليمن السعيد، والشعب الحكيم، المساهم مع أمته العربية، التي هو أصلها، في رسم خريطة للتعاون العربي الجديد، الذي أبدع رسمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وجعل النصر حليفه، وأدام على المملكة العربية السعودية ودول الخليج أمنها ورخاءها وعزها ومكانتها.