د. محمد البشر
العنوان اسم لكتاب ألف في منتصف القرن الماضي لأبي العباس أحمد الكردودي، والكتاب كان محفوظاً، وتم تحقيقه من قبل الدكتور عبدالوهاب بن منصور، وعمل في سفارة المغرب بفرنسا، ثم في سفارة البابا ليون الثالث عشر بإيطاليا، ثم في السفارة المغربية بإسبانيا.
وهو كتاب من كتب أدب الرحلات، وعند زيارة المؤلف لقصر الحمراء، ومسجدها نقل بعضاً من الشعر الذي كان مرسوماً بصورة بديعة على جدرانها، وجله من نظم الشاعر الإندلسي محمد بن زمرك الذي عاش في عصر محمد الغني بالله، أحد أشهر ملوك بني الأحمر، آخر الأسر المسلمة التي حكمت الأندلس، وإن ذكر ابن زمرك فلابد من ذكر أستاذه ومعلمه الوزير، والشاعر، والناثر، والأديب لسان الدين ابن الخطيب، الذي قرب ابن زمرك وأدخله إلى القصر وجعله مسؤولاً عن الكتابة لديه، لكن ابن زمرك ما لبث أن عض اليد التي أحسنت إليه، ومكر بأستاذه حتى قتل على يد السلطان الغني بالله، ومن ثم دارت الدائرة عليه، فقام أعداؤه بالوشاية عليه عند نفس السلطان، فأوغروا صدره عليه، فقتله شر قتلة، والحق أنه كان صلفاً مغروراً قاسياً جعل الناس تسخط من تصرفاته. ومن تلك الأبيات الشعرية التي ما زالت مسطرة على جدران المسجد:
ألم تر أن الماء يجري بعينها
ولكنها سدت عليه المجاريا
كمثل محب فاض بالدمع جفنه
وغص بذاك الدمع أن خاف واشياً
وقد غابت عنه بعض الأبيات مثل تلك التي قالها ابن زمرك ورسم على جدران المسجد:
ويامن رأى الآسياد وهي روابض
عداها الحيا من أن تكون عواديا
وهذا المقال ليس عن الرحلة ذاتها، وإنما عن واقعة حدثت فسطرها المؤلف وكأنها طرفة في عصرنا الحاضر، وهي وصفه للهاتف أو التلفون عندما رآه لأول مرة في طنجة، وكيف وصفه، وأحال اكتشاف فكرته إلى أبناء طنجة، وهذا قول لا أعلم صحته، وقد تمكن منه العجب حتى استرسل في وصف مشاعره حوله، ولعلنا ننقل نص ما ذكر عن التلفون فقال:
في خلال مقامنا بهذا الثغر السعيد هذه المدة، أحدث النصارى فيه من عجيب الإنشاء سلكاً يخاطب الرجل فيه من شاء، فيسمع المخاطب فيه خطاب صاحبه، كأنما يتكلم بجانبه، بلفظ صريح، وصوت فصيح، ويجاب فيه بأفصح جواب، كأنما يتخاطبان وليس بينهما حجاب، وذكر أن أول من أنشأه صبيان من أهل هذا الثغر، كانوا يلعبون بجعبتين من قصب، كل منهما مفتوحة الطرفين وقد ألصق على أحد الطرفين من كلتيهما جلد رقيق فيه خيط طويل ممتد بينهما متصل طرفاه بالجلد الملتصق بهما، فيتكلم أحدهما بما شاء في جعبة القصب التي بيده، والآخر جاعل طرف الجعبة المفتوح في أذنه، فيسمع كلام مقابله، وقد شاهدتهم يلعبون بذلك، وأخذت إحدى الجعبتين، وجعلت طرفها في أذني وتكلم المقابل في القصبة التي بيده، فسمعت قوله!!
وحيث عاين النصارى ذلك واستحسنوه، واعتنوا بأمره وامتحنوه، فأنتج لهم ذلك السلك الذي عظمت نتيجته وبهرت حكمته، ولقد شاهدت محله الجامع، الذي تتفرق منه الأسلاك لغيره من المواضع، واستخدم بمحضرنا، وبمرأى ومسمع منا، فسمعت خطاب من خاطبني فيه، واستوعبت ما لفظه فيه، وأعجب من ذلك أن بعض من حضر، طلب فيه ممن خاطبه أن يسمعنا ضرب البيانو فسمعته حين جعلت من آلات السلك نظير جعبة القصب حذو أذني، ومن أعظم فوائده، أن صاحب السلك المكلف به لا يطلع على المتخاطبين ولا يسمعه وذلك لأن من يريد مخاطبة غيره يخبر المكلف بالسلك أنه يريد مخاطبة فلان، فيعلمه بذلك في سلكه الخاص به، فاذا أجابه بأنه حاضر منصت لسماع خطابه يعلم صاحبه بحضوره، ويصل سلك المخاطب بسلك المخاطب فيتكلمان بما شاءا من غير واسطة، وهذا ما يستغرب ويقضى منه العجب.
لو كان المؤلف رحمه الله امتد به العمر حتى عصرنا الحاضر فماذا يا ترى سيكتب عن التقنية التي تسابق الزمن، ونحن نستخدمها ولم نساهم في فكرتها أو صنعها.