سلمان بن محمد العُمري
لا يخفى أن الله خلق الناس مختلفي الطبايع، ومتباينين في الصفات والأذواق والمطالب، فهناك الإِنسان الهادئ، وهناك الحاد الطباع وهناك سريع الغضب وهناك بطيئه.. إلخ.
كما أن الله تعالى خلق البشر ناقصين؛ ليكون الكمال له وحده - عز وجل - فكل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون.
فمن أراد ألا يرى خطأ، أو هفوة من أحد، فليبدأ بنفسه، ولينظر إليها نظرة الناقد البصير، وليسألها أهي كاملة منزهة عن الخطأ، ومبرأة من ارتكاب الهفوات؟؟ فإنَّ كان الجواب : نعم، فهذا الإِنسان مريض، يحتاج إلى علاج نفسي طويل، ولا أظن عاقلاً يزعم أنه لايخطى.
وأما إن كان الجواب: لا، وأنه مثل كل البشر يعتريه النقص، ويصدر منه الخطأ، والزلل، فكيف يطلب من الآخرين ألا يخطئوا، وألا يصدر منهم أي زلل؟!
وأمام هذه الحقيقة التي لا تقبل النقاش، فكيف ينبغي للعاقل أن يتصرف، سواء أكان مسؤولاً، أو أباً أو أماً، أو مدرساً أو رئيساً، أو مرؤوساً؟!
لا شكَّ أن الأخطاء أنواع، فمنها أنواع يجب إصلاحها والوقوف عندها؛ لأنّها تؤثر في سير العمل مثلاً، أو تلحق ضرراً ظاهراً بالأسرة، أو يترتب عليها خطر ما.
وهناك أنواع من الأخطاء أو الهفوات التي لا يخلو منها مكان، وهي لا تؤثر في شيء، أو يكون تأثيرها محدوداً.
فالواجب على العاقل الرزين، رجلاً كان أو امرأة، أن يتغاضى عن كثير من تلكم الهفوات وألا يقف عند كل صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة، بل إن من أجمل الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها القائد في عمله، وفي بيته، وفي مدرسته : صفة التغافل، أو التغابي، وذلك بأن يغض الطرف عن بعض الهفوات ويتغاضى عنها كأنه لم يرها أو لم يسمعها بهدف تربوي راجح.
وهذه من صفات القادة الناجحين، والآباء المحبوبين، والأمهات المحبوبات، والأساتذة المؤثرين، وفي ذلك يقول الشاعر:
ليس الغبي بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغابي
أما الشخص الذي ليس له هم إلا الانتقاد، والتدقيق، في صغائر الأمور، وادعاء الذكاء المفرط، وأنه لا أحد يستطيع استغفاله، فلا شك أن مثل هذه النوعية من الأشخاص لا تكون محبوبة، ولا مرغوبة، لا في الإدارة، ولا في البيت، ولا في المدرسة، ولا في المجتمع!
وخير ما نختم به هذا الموضوع، حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: « خدمت النبي - صلى الله عليه وسلَّم - عشر سنين، فما قال لي : أُفٍّ قط، وما قال لشيء لم أفعله، ألا كنت فعلته ؟ ولا لشيء فعلته لِمَ لم تفعله ؟». والله الموفق.