سعد بن عبدالقادر القويعي
تأكيد المملكة في كلمتها أمام مجلس حقوق الإنسان في افتتاح أعمال الدورة 28 في جنيف - قبل أيام -، بأن حرية التعبير لا ينبغي أن تكون ذريعة لانتهاك حقوق أخرى، - باعتبار - أن الحقوق متكاملة، ومترابطة، وأن عدم الأخذ بمبدأ التقييد النظامي المتسق مع المعايير الدولية، التي نصت على أن حرية التعبير غير المقيدة بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين، أو النيل من كرامتهم، أو معتقداتهم، أو مخالفة النظام العام، أو الآداب العامة؛ من شأنه تغذية التطرف المؤدي إلى الكراهية، والعنف، هو تأكيد على أن حرية الرأي، لا بد أن تحترم عقائد، وكرامة الشعوب؛ حفاظا على السلم، والأمن - الدوليين -، والعدالة الاجتماعية، وإلا فإن خلاف ذلك سيؤدي إلى إثارة الكراهية بين الشعوب، والأمم.
في كل مرة، يحاول المسؤولون الغربيون التهرب من المسؤولية؛ بحجة أن حرية الرأي، والتعبير المكفولتان دستوريا لوسائل الإعلام، تمنعهما من التدخل للرقابة عليها، أو منعها، مع أن نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي مادته الثامنة عشرة، تنصّ على أن حرية التعبير، لا تعني - أبداً - أنها حرية مطلقة، بل هي حرية مقيدة - حتى في الدول الغربية -، وفق ما تنص عليه مواثيق حقوق الإنسان؛ لأن حرية الشخص تنتهي عن حدود المساس بحرية الغير، - وبالتالي - فإن حرية من يعتدي على حقوق الآخرين، أو النيل من كرامتهم، ستقف عندما يطال تعبيرهم رمزا دينيا مقدسا، يجرحون من خلاله مئات الملايين من البشر. ستقلقنا مظاهر التعصب، والتمييز في أمور الدين، أو المعتقد؛ لأن ممارسات قبيحة كهذه الأفعال المشينة، ستجلب على البشرية بصورة مباشرة، أو غير مباشرة حروبا، وآلاما بالغة، - خصوصا - عندما نستشعر يقينا، أن القوانين المعمول بها في الغرب تجرّم السخرية من اليهود، ولا تجرّم السخرية من الإسلام، بل إن الأمر يتجاوز ذلك، عندما ندرك أن قوانينهم تجرّم السخرية من الإنسان - كونه إنسانا -؛ لكنها لا تجرم السخرية من الأفكار - مهما بلغت من قداستها -.
إن على العالم - أجمع - تعزيز الاحترام العالمي، والفعّال للحريات الأساسية لجميع مواطنيها دون تمييز؛ بسبب العرق، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين. فما يحدث اليوم هو إهانة للكرامة الإنسانية، وهو ما نصّ عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 50 - 183، بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب الديني، وأكدت ديباجة هذا القرار، على أن: «التمييز ضد البشر على أساس الدين، أو المعتقد، يشكل إهانة للكرامة البشرية، وتنكراً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة»، كما أكدت على: «ضرورة اتخاذ الدول ما يلزم؛ لمواجهة التعصب، وتدنيس الأماكن الدينية».
كما صدر عن الجمعية العامَّة للأمم المتحدة قرار هام، حمل رقم 65 - 224، يُجرِّم تشويه صورة الأديان. وقد أعربت الجمعية في القرار، عن: «استيائها من استخدام وسائل الإعلام المطبوعة، والسمعية، والبصرية، والإلكترونية - بما فيها الإنترنت -، وأي وسيلة أخرى؛ للتحريض على أعمال العنف، والتعصب، والتمييز ضد أي دين، واستهداف الكتب المقدسة، وأماكن العبادة، والرموز الدينية لجميع الأديان، وانتهاك حرمتها».
ما سبق، يدل على مدى أهمية حضور المعتقد في حياة البشر، باعتباره الهوية الذاتية التي تعكس الأفكار، والقيم التي يؤمن بها الإنسان.
- ولذا - فإن الاعتداء على الحرية، هو نوع آخر من التعصب، الذي يجب رفضه؛ لأنها - في نهاية المطاف - تشكّل قتلا معنويا؛ لكنها بسلاح غير ملموس.