سعد بن عبدالقادر القويعي
تستوجب الوقفة الموضوعية ضرورة اعتبار التهديدات الوجودية التي تتعرض لها المنطقة بإنصاف، دون أدلجة، أو تخندق في إطار سياسي، لا يخدم فكرة المقال. وعلى سبيل المثال، فقد نشرت صحيفة «الجارديان البريطانية» وثيقتين سريتين، تتعلقان ببرقيات السفير الأمريكي في صنعاء إلى وزارة الخارجية الأمريكية، تكشف من خلالهما عن حجم القلق، الذي تبديه الحكومة الأمريكية على سلامة المتمردين الحوثيين، وحرصها على ضرورة بقاء هذه الحركة قوية، وخوف واشنطن من هزيمتها. ففي إحدى الوثيقتين في العام 2009م عبّرت السفارة الأمريكية في صنعاء عن قلقها من استخدام الحكومة اليمنية قوات مكافحة الإرهاب، التي دربتها أمريكا لقتال القاعدة، وخشيتها من أن يؤدي استخدام هذه القوات التي شاركت في الحرب السادسة إلى هزيمة الحوثيين في محافظة صعدة (شمال اليمن). وتقول البرقية: «لقد تبين أن اليمن نشرت وحدة مكافحة الإرهاب المدربة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة متمردين محليين بدلاً من تنظيم القاعدة؛ إذ نشرت وحدة مكافحة الإرهاب في محافظة صعدة لقتال المتمردين الحوثيين شمالي البلاد، في إحدى جولات القتال - بالإشارة إلى الحرب السادسة -». وذكرت الجارديان: «إن برقيات وزارة الخارجية الأمريكية اليائسة - بشكل متزايد من هزيمة الحوثيين - ترى أن الحكومة اليمنية مصرة على محاربة الحوثيين، وأن محاربتهم هي العنصر الأساس في مكافحة الإرهاب، إلا أن أمريكا ترى غير ذلك، مبدية - في الوقت ذاته - انزعاج الأمريكان من تحويل اليمن بعض الموارد الأمريكية لمكافحة الإرهاب لتعقب حركة التمرد الحوثية».
وفي المقابل، فإن الوثيقة التي تحمل رقم (09SANAA2185)، الصادرة في التاسع من كانون الأول 2009 م، أي بعد انقضاء أكثر من أربعة أشهر على اندلاع القتال، ترى أنه «خلافاً لمزاعم الحكومة اليمنية، لا يبدو أن الحوثيين يقاتلون لاستعادة حكم رجال الدين»، مرجحة أنهم «كما يزعمون، يسعون إلى المزيد من الاستقلال الذاتي المحلي، واحترام معتقداتهم، وممارساتهم الدينية». وأضافت هذه البرقية: «بعد التيقن من عدم الرغبة في عودة الإمامة، يصبح الحديث عن أجندة سياسية ومطالب اجتماعية للحوثيين أمراً أكثر واقعية.. بعد أن شعر الزيديّون، الذين مثّلوا تاريخياً غالبية السكان في المحافظة، بأنهم مهددون على نحو متزايد من السلفية المتطرفة».
وتثير هذه الوثائق فضائح سياسية كبيرة، بلغت أكثر من «1590» وثيقة سرية، تتعلق باليمن المثقل بالأزمات، فبرزت إثرها الانقسامات السياسية، والطائفية، والمذهبية، واشتعلت نيران الحروب الطائفية؛ ما جعلها مسلوبة الإرادة، والسيادة، بل مهددة في معتقداتها، وقيمها، وعاداتها، وبصورة تؤزم المواقف، وتغيم الرؤية.
وبالرغم من وضوح صراع الإرادات في المنطقة إلا أن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال «مشروع الشرق الأوسط الكبير» إلى تمزيق دوله، وخلق النزاعات فيها، تحت شعار «نظرية الفوضى الخلاقة»؛ لينجم عنه تفتيت دوله بحجة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة في كل منطقة. مع أن واقع الحال يؤكد اعتماد النظرية على تشجيع الأقليات الدينية والمذهبية، وإحياء النعرات القومية، وزعزعة وحدة دول المنطقة، على نحو يخلف الانقسامات والصراعات، التي تسيطر على بعض الدول العربية؛ لتخدم - في نهاية المطاف - إسرائيل، وتمكنها من السيطرة على المنطقة سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً.
وأختم المقالة بتعليق مركز البصيرة الإعلامي حول إثارة الحوثيين للنعرات الطائفية والمذهبية، ودخولهم في حروب عدة داخلية، بأنهم «ينفذون جزءاً من المخطط الأمريكي في المنطقة، شعر المغرر بهم بهذا، أم لم يشعروا، فهذه هي الحقيقة المرّة التي نجح الأمريكيون والصهاينة في استخدام المساكين من أبناء اليمن وقوداً وضحية لها».
كما أنّ ما يدور خلف الكواليس بين أمريكا وإيران ليس بعيداً عن حقيقة الحوثيين في اليمن؛ فمع العداوة الظاهرة بينهما مهما بلغت تبقى المصالح المتبادلة هي الأهم، وهي المؤثّر في الساحة؛ فلقد اعترفت إيران على لسان محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية، في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل في إمارة أبو ظبي 15 - 1 - 2004م، بأن «بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان والعراق»، وقال أيضاً: «لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة». ولا ريب أن ضريبة ذلك، ومكافأته، ستكونان على كاهل الإدارة الأمريكية، وقد بدؤوا بإعطائها الحصة الأكبر في العراق، وترك الفرصة لها في إيجاد ذراع سياسية لها في الجزيرة العربية، وليس هناك أفضل من الحوثيين في مثل منطقتهم الاستراتيجية، وفي مثل بلاد اليمن الذي تعجّ بالاضطرابات والاختلالات الأمنية.