سعد بن عبدالقادر القويعي
عبر واقع أليم، تموج به أزمات شتى من احتقان، وتعصب طائفي، استشرى في مختلف الاتجاهات، وأصبحت البلاد العربية ساحة للعمليات الإرهابية في العديد من المناطق، امتدت آثارها إلى دول الجوار، وفي ظل وجود حشد طائفي مدعوم إقليميا - ولاسيما - من قبل إيران، والولايات المتحدة الأمريكية، أتت كلمات إمام، وخطيب المسجد الحرام في مكة المكرمة - الشيخ الدكتور - صالح بن حميد، بأن: «من سلبيات الإعلام الجديد ترسيخ الطائفية، والحزبية، والمذهبية؛ مما أضعف الهوية، والانتماء إلى الجماعة»؛ ولتكون - تلك الكلمات - أدعى إلى ضرورة تكوين هوية مشتركة للدول ذات الأعراق، والأديان، والمذاهب المتعددة، تكون قادرة - بعد ذلك - على إدارة أزماتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وذلك من خلال الوسائل السلمية.
بات الخطر الطائفي المحيط بدول العالم العربي، يمثل تحديا وجوديا خطيرا، باعتبار أن الإرهاب الطائفي، هو أحد أشكال العنف السياسي في المنطقة، والذي انعكس أثره السلبي بصورة مباشرة على الدول المجاورة، بل وأثرت على توازنات القوى في المنطقة؛ بسبب إضعاف الإرادة الوطنية، والعمل على تغليب المصالح الخارجية، التي استثمرت التناقضات المحلية، وفاقمتها. هذا المعنى يؤكده إيمريك شوبراد - الخبير الاستراتيجي الفرنسي - بقوله: «إن القوى الأجنبية - خصوصا - الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى في ظل الأوضاع العربية الحالية إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: إشاعة الفوضى، وتقويض الأمن، والاستقرار في الدول العربية، وتمزيق وحدة المجتمعات العربية، وإثارة الصراعات الداخلية بين مختلف قوى المجتمع - خصوصا - على أسس طائفية، وإضعاف استقلال الدول العربية، وقدرتها على التحكم بمقاديرها. واعتبر أن أمريكا تسعى إلى استغلال الخلافات الطائفية، وتأجيجها في المنطقة؛ لأن ذلك يحقق لها هدف إثارة الفوضى، وتقويض الاستقرار، ويحقق مصالحها الاستراتيجية، وأن من مصلحة أمريكا أن يبقى هذا الصراع قائما، ومستمرا؛ حيث يتيح لأمريكا التدخل باستمرار في المنطقة، واستغلال هذا الصراع لصالح أهدافها الاستراتيجية.
ظروف المنطقة - اليوم - جعلت من الإرهاب الطائفي أكثر خصوبة لازدهاره. كما جعلت من العنف المصاحب لعملية الانتقال السياسي، وغياب الحد الأدنى من التوافقات حول القيم السياسية الرئيسة، عمل على ترسيخ التوترات الطائفية في المنطقة، - ولاسيما - بعد مشروع ما يسمى «الربيع العربي».
وعليه فإنَّ التأكيد على الثوابت الوطنية، من شأنه أن يفكك آفة التوترات الطائفية، ويعمل على احتوائها. كما أن الاعتراف بواقع التمايز المذهبي، والتعايش مع الواقع، مع الرغبة في إيضاح الفوارق، وإحلالها في موضعها المناسب، من دون تخفيف مصطنع، ولا تضخيم مفتعل، سيدفع إلى وحدة المجتمعات، وسيادتها، واستقلالها - وبالتالي - مواكبة الحراك المجتمعي، والمراهنة على أهليته؛ لطرح مشروع حضاري، يقدم رؤية وطنية تشمل جميع عناصر المجتمع، وإني لأرجو بعد ذلك، ألا يكون ما كتبته حلما بعيد المنال.