سعد بن عبدالقادر القويعي
دعونا نتفق بداية، على أن السياسات الإيرانية القائمة على تبني مشروع التسلح النووي - إضافة - إلى تدخلها في شؤون الغير، قد ولدت آثارا سلبية، أتت من الواقع الموجود، لعل من أهمها: الحصار العالمي، والمقاطعة الاقتصادية، التي نشأت عنها أزمات في الداخل الإيراني؛ لتتحدث لغة الأرقام عن واقع الحال الأليم، والتي أصبحت معروفة لدى الشعب الإيراني.
إن إبقاء الساحات العراقية، والسورية، واليمنية مشتعلة، وتدخل إيران في الشأن المحلي اللبناني، والبحريني، فباتت ملزمة بتقديم الدعم - المادي والمعنوي - لتلك الأنظمة، ومحاولة عدم تركها فريسة للسقوط، وبمعزل عن التفاهم السياسي مع محيطها العربي، سيؤدي إلى استنزافها على المدى البعيد؛ جراء توسع نفوذها، وحجم التكاليف الطائلة، التي يجب عليها دفعها؛ لحماية إنجازاتها الوهمية، وتأمل على سبيل المثال : كيف أنفقت إيران على امتلاك القنبلة النووية - منذ بداية حكمها الجمهوري - أكثر من مائة مليار دولار أمريكي، وإيران التي تواجه وضعا اقتصاديا صعبا، دعمت النظام السوري بعشرات المليارات من الدولارات - منذ اندلاع الثورة - رغم أن الريال الإيراني فقد «70 في المئة» من قوته الشرائية، وارتفع التضخم بنسبة «20 في المئة»، وحول هذا المعنى، يؤكد - الاستاذ - عماد غليون أن إيران لا يمكنها الانسحاب، والتراجع، - ولذا - فإنَّ الاستمرار سيقودها إلى مزيد من التدهور، وسيؤثر ذلك - في النهاية - على الداخل الإيراني، الذي سينتفض على نظام الملالي، ويسقطه، ويحقق الأهداف الأمريكية، وهي مستفيدة دون أن تدفع أي ثمن.. ومع ذلك لن تستطيع حصاد نتائج من هذا الملف - في نهاية المطاف - وسيتم العمل على مقايضته معها بملفاتها الداخلية.
مناسبة الكلام السابق، هو التأكيد على الهمسات المرعبة، التي بدأت تتسلل إلى الكواليس الديبلوماسية، وما يمكن أن تفرزه سياسة حرب الاستنزاف من عواقب وخيمة على الأوضاع الاجتماعية للشعب الإيراني. فقد أعلن ناطق نوري، المفتش العام في مكتب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قبل أيَّام، أن خزينة الدولة الإيرانية فارغة، وأن موازنة حكومة - الرئيس الإيراني - حسن روحاني تواجه أزمة كبيرة.
كما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» عن ناطق نوري، وهو عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أن : «موازنة العام الإيراني المقبل، يبدأ في 21 مارس كانت قد أقرت؛ بناء على احتساب سعر برميل النفط لـ« 74» دولارا، في حين أن سعر البرميل - الآن - « 40» دولارا - فقط -.
وكان مجلس الشورى الإيراني « البرلمان»، قد أقر موازنة البلاد للعام المالي المقبل، اقتصر على «18» مليار دولار، استجابة لانخفاض أسعار النفط عالميا، - فضلا - عن آثار العقوبات الدولية، مما حدا بالحكومة أن تقدم الموازنة الجديدة، بتراجع قدره «25 في المئة» في مجمل العائدات النفطية.
وكانت الحكومة الإيرانية، قد أعلنت في ديسمبر الماضي مشروع موازنة بقيمة «24» مليار دولار؛ لكن النواب اضطروا لخفض ذلك إلى نحو «18» مليارا - فقط - ، استجابة لتدني أسعار النفط.. بقي أن أشير إلى تصريح - المتحدث باسم الحكومة الإيرانية - محمد باقر نوبخت، حين أعلن في يناير - الماضي - عن عجز مقداره «31» ألف مليار تومان، أي : ما يعادل 11 مليار دولار - تقريباً - في الموازنة العامة للدولة.
ولأن النظام الإيراني - كله - في مأزق، فإنَّ التدليل على هذه الرؤية لدى صانع القرار الأمريكي، يترجمها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بقوله : «إنني أتسلى - دائماً - بتأمل الفكرة القائلة، إن إيران كسبت في سوريا - بطريقة أو بأخرى - أعني أنك تسمع الناس يقولون أحياناً : إنهم يكسبون في سوريا، وأنت تقول : كان هذا البلد صديقهم الوحيد في العالم العربي، وهو عضو في جامعة الدول العربية، وقد أصبح - الآن - أنقاضاً، ذلك يستنزفهم؛ لأنهم في حاجة إلى إرسال المليارات من الدولارات، - ووكيلهم الرئيس - حزب الله، الذي كان يَتمتع بوضع مريح، وقوي جداً في لبنان، يجد نفسه - الآن - تحت هجوم المتطرفين السنة، هذا ليس جيداً بالنسبة لإيران، إنهم يخسرون مثل أي طرف آخر، والروس يجدون صديقهم الوحيد في المنطقة ركاماً، وفاقداً لشرعيته - أيضاً -».
ما يهمنا مما سبق، هو انكشاف الموقف السياسي الإيراني أمام العالم، فكل المعطيات الميدانية على أرض الواقع، تؤكد أن إيران تعاني إنهاكا في كل بقعة جغرافية تطؤها قدماها؛ حتى وإن وزعت بؤر توتر على كامل مساحة الشرق الأوسط، أو لجأت إلى سياسة الهروب إلى الأمام مكابرة؛ لكن ما أود الإشارة إليه في نهاية المقال، هو التأكيد على ضرورة تبرير سياسة المهادنة، والتفاوض مع القوى الإقليمية؛ من أجل تخفيض احتمالات المواجهة، والذي سيساعد على إطفاء الصراعات المذهبية في المنطقة.