حينما تقود سيارتك في أحد شوارعنا (الجميلة) ستكتشف أنك مراقب، ليس من كاميرات ساهر المتربصة بك، ولكنك مراقب من السائقين والركاب في السيارات المجاورة.
الجميع (يبحلق) فيك بعينيه، والحقيقة أنك لا تدري هل هم ينظرون إلى سيارتك ليعرفوا موديلها وتاريخ صنعها؟ أم هم يحدقون في وجهك لأنهم (مشبهين) أو أن لبسك وطريقة وضعك لغترتك أثارت دهشتهم وإعجابهم؟
ولا يختلف الحال كثيراً حين تذهب إلى سوبر ماركت كبير، فطوال وقتك داخل السوبر ماركت وأنت تجر عربيتك، وأم العيال في سباق مع الزمن لتملأها بما لذ وطاب؛ طوال هذا الوقت لا يمر بجانبك أحد من المتسوقين الكرام إلا وتراه يبحلق في أغراضك المتكدسة فوق العربية التي بدأت تئن (ولكانت لو علمت الكلام لولولت من التعب).
ومرة أخرى فأنت لا تدري لمَ هذه العيون تنظر إلى أغراضك الخاصة؟ هل لينظروا ربما اشتريت أنت شيئاً نسي أحدهم أن يشتريه؟ أو لعله يريد أن يخمن كم سعر هذه المقاضي؟ أم أنه ينظر لحاجة في نفسه لا تعلمها أنت؟
والحقيقة التي تسكن أجزاء كبيرة من حياتنا هي: أننا نعيش حالة من الانشغال بالآخرين، على حساب الاهتمام بأمورنا الخاصة.
في وسائل التواصل الاجتماعي مثلا: يقتصر دور كثير منا على متابعة الآخرين، ويقوم بدور المراقب دون أن يكون له دوراً حقيقياً؛ فهو لا يكتب حرفاً، وإن أعجبه شيء لا يبدي إعجابه، ولا يكلف نفسه إعادة إرسال ما يعجبه، جامد جمود الكرسي الذي يجلس عليه.
تزيد الحال سوءاً إذا تعدى الأمر لتربية الأبناء فنبدأ في تربيتهم على النظر إلى فلان وفلان: (انظر إلى ابن فلان كيف يفعل، وانظري إلى فلانة كيف تلبس وو...) وبالتالي ينشأ الابن ولا همَّ له إلا رؤية ومراقبة تصرفات الآخرين.
الحالة تتكرر على طاولات المطاعم، وفي كراسي الانتظار في المطارات والمستشفيات، وفي أماكن كثيرة.
ماذا لو تركنا الخلق للخالق.. ماذا لو أحسنا استغلال أوقاتنا فيما يعود علينا بالنفع وعلى مجتمعاتنا بالرقي.
ماذا لو أن كل واحد منا أدرك حقيقة الوقت الذي نضيعه في مراقبة الآخرين وانشغلنا بإصلاح عيوبنا؟
ماذا لو أدركنا أن نظراتنا المتكررة تؤذي الآخرين وتحرجهم؟ بل إنها ربما جعلتهم يشكون في أنفسهم.
عبدالرحمن القحطاني - المجمعة