إبراهيم عبدالله العمار
ماذا حصل لنا؟ لماذا نحن المسلمون من أكثر الناس تصديقاً للأكاذيب، بل - وهذا أسوأ - تنشأ الأكاذيب والشائعات بيننا بسهولة وسرعة؟ من يلاحظ الأخبار المتناقَلَة في برامج المحادثة والإنترنت سيدهشه الانتشار الواسع للشائعات والأكاذيب والأخبار المختلطة بين الصدق والكذب. هذا غريب.. بل غريب جداً.
سبب الغرابة هو أن لدينا أصولاً علمية عمرها 1400 سنة تؤصّل مبادئ المصداقية. الإسلام أقوى الأديان كلها في التوثيق العلمي. لم يكتفِ الشرع أن يأمرنا بالصدق ويكافئ عليه ويحرّم الكذب ويعاقب به، بل أضاف مبادئ قوية تُرسّخ هذا. إليكم مبدآن يقضيان على الشائعات والكذب في الانترنت وبرامج المحادثة وكل شيء:
المبدأ الأول: المطالبة بالدليل: التوحيد أصل الإسلام، وحتى هذا تحدى الله المشركين أن يعارضوه، غير أن الآيات أتت بطريقة عجيبة لو تأملناها، وانظر مثلاً للآية في سورة الأنبياء: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}. رغم أن الشرك أعظم الذنوب، وعلى وضوح بطلانه، إلا أن الله لم يكتفِ بالنهي بل طالب المشركين بالدليل على صحة دينهم، والبينة على من ادعى، وفي سورة الأحقاف: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فهنا يأمر الله النبي أن يناقش المشركين بالمطالبة بالبرهان على شركهم، فطلب منهم كتاباً من الكتب السماوية تثبت صحة دينهم أو {أثارة من علم} أي شيء يُؤثَر من علمٍ نقلي أو عقلي. كثرة تَناقل الخبر وانتشاره لا يعني أنه صحيح، فالباطل ينتشر ويُصدَّق بسهولة، وتخيل أن إشاعةٍ مؤذية انتشرتَ عنك وصدّقها أصحابك وأقاربك فهل ستعذرهم؟ لا، بل ستقول: «هلا سألتموني أولاً؟ هلا تثبّتم بدلاً من تصديق الناس بلا تدقيق؟»، ولهذا لم يقبل الله عذر المذاهب والأديان المنحرفة الذين أسسوا اعتقاداتهم على كثرة متبعيها وأن أهلهم وعشيرتهم يدينون بها: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.
التطبيق: إذا أتاك في برنامج المحادثة خبر - خاصة ما فيه تأثير على الغير كخبر كبير أو فضيحة أو مقولة سيئة منسوبة لأحد أو إعلان رسمي هام - فطالب المرسِل بالدليل، وإلا لا تُرسِل الرسالة.
أما إذا صعب عليك مطالبة المرسِل بالدليل خشية الإحراج، فلديك المبدأ الثاني:
المبدأ الثاني: عدم النقل الأعمى: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «كفى بالمرءِ كذبًا أن يُحَدِّثَ بكلِّ ما سمِع». ما أروع هذا الحديث! على قِصَره إلا أنه يحوي مبدأً بالغ القوة والوضوح: إذا نقلتَ كل شيء يأتيك بدون التأكد من صحته فأنت كاذب. ولستَ كاذباً عادياً بل أنت تمارس نوعاً من أشد الكذب كما وضّح الرسول صلى الله عليه وسلم في كلمة «كفى بالمرء كذباً».
التطبيق: لا تمرر وتنشر كل ما يأتيك في برامج المحادثة والإنترنت، إلا بعد التأكد، خاصة ما فيه تفسير وأحاديث وسيرة الصحابة.
مبدآن سهلان (اطلب البرهان، لا تنشر)، لو طُبِّقَا لقضيا على الغالبية العظمى من الشائعات والأخبار الزائفة والقصص الملفّقة والأحاديث الموضوعة.