محمد آل الشيخ
خروج الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» من صنعاء، وإفلاته من الحصار الحوثي، وانتقاله إلى عدن، خلط الأوراق اليمنية وموازين القوة والضعف من جديد، وكذلك الأوراق في المنطقة بأكملها؛ فالإيرانيون الذين يواجهون وضعا صعبا في سوريا والعراق، وجدوا في دفع الحوثيين للانقلاب على السلطة الشرعية في اليمن، ورقة يساومون عليها في أية مفاوضات إقليمية من شأنها إضعاف نفوذهم في المنطقة؛ خاصة بعد أن اضطروا إلى التخلي عن عميلهم في بغداد» نوري المالكي» بعد أن سقط جزءٌ كبير من بلاده في يد التطرف الإرهابي، بسبب رعونته السياسية وتعصبه المذهبي، فوقف كل العالم ضد بقائه على رأس السلطة في العراق. كذلك عميلهم الآخر «بشار الأسد» أصبح موقفه العسكري، ناهيك عن السياسي، متضعضعاً بقوة، ما يجعل سقوطه المتوقع سيضعف نفوذهم في سوريا، كما سيؤدي بالتبعية إلى إضعاف (حزب الله) في لبنان أيضا وانحسار نفوذه، وبالتالي فقدانهم لكل ما استثمروه في لبنان سياسيا وماليا، منذ أن عملوا على انشقاق حزب الله عن (حركة أمل)، وإلحاق قراره بهم في طهران، ومن ثم دعم الحزب بعشرات المليارات من الدولارات لما يناهز أربعة عقود وحتى اليوم.
ولا يمكن قراءة ما يجري في اليمن بمعزل عما يجري في المنطقة بأسرها؛ فتحرك الحوثيين المفاجئ في اليمن، ونسفهم لمجريات الحوار بين الفرقاء هناك، واتجاههم لاحتلال صنعاء بالقوة، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي في قصر الرئاسة، وإفشال المبادرة الخليجية، وإعلانهم للبيان الدستوري الذي جعلهم على رأس السلطة بقوة السلاح، يصب في مصلحة إيران استراتيجيا، التي جعلتهم بمثابة مخلب قط لها في جنوب الجزيرة العربية في مواجهة المملكة ودول الخليج؛ وبهم تستطيع أن تقوي موقفها ونفوذها على طاولة أية ترتيبات جديدة في المنطقة من شأنها محاصرة نفوذ إيران وإضعاف تغولها.
انتقال العاصمة من صنعاء إلى عدن، بحكم انتقال الرئيس هادي إليها، واعتبار صنعاء مدينة محتلة، يعني أن شرعية (اليمن الموحد) أصبحت كاملة في يد الجنوبيين جغرافياً وعملياً بحكم انتماء الرئيس هادي إلى الجنوب؛ وهذا يعني أن على بقية المحافظات اليمنية، بما فيها المحافظات الشمالية، أن تأتمر بأوامر عــدن وليس صنعاء، وهو ما سيعزل ليـس الحوثيين فحسب، وإنمـا سيعزل معهـم الرئيس المخلـوع «علي عبدالله صالح» وسيجعل قدرتهم على المناورة والتحكم في اقتصاد اليمن وتوجهات سياساته محدودة؛ فالرئيس الشرعي (الجنوبي) لليمن الموحد ليس في يده الشرعية الرمزية والمعترف بها دوليا فحسب، وإنما هو يعيش في الحضن الجغرافي والقبلي الذي ينتمي إليه؛ أي بين أهله وذويه وفي حمايتهم؛ وبالتالي أصبح في منأى عن سلطة الحوثيين، ورماح أسلحتهم، ومن تحالف معهم من القبائل الشمالية، وهو ما سوف يرحب به قطعا (الحراك الجنوبي)؛ فالقرار السياسي الآن، وعاصمة القرار، ومن يتحكمون بالقرار، أصبحت عمليا في أيديهم، ويتولاها واحد من أبنائهم، في حين أصبحت المحافظات الشمالية تستمد شرعيتها منهم؛ أي ملحقة بهم، وليست متسلطة عليهم كما كان الأمر في السابق.
وفي تقديري أن هذه التطورات لم يكن يتوقعها لا الإيرانيون ولا عملاؤهم الحوثيون، ولا الرئيس المخلوع الذي كان يدير لعبة التمرد على الرئيس الشرعي في البلاد، وهو تطور قد يُبقي عاصمة اليمن في الجنوب ردحا طويلا من الزمن، وربما إلى الأبد، خاصة إذا ما قبلت البعثات الدبلوماسية الأجنبية الانتقال إليها مع الرئيس الشرعي، والاعتراف بها، ولو بشكل مؤقت الآن، ريثما يتم تحرير صنعاء من الاحتلال الحوثي الإيراني.
ومن المفارقات التي لا يمكن المرور عليها دون الإشارة إليها، أن الجنوبيين، وبالذات من يطالبون بالانفصال عن الشماليين، كانوا يشكون بمرارة من فترة حكم الرئيس «علي عبدالله صالح» بسبب تسلط الشماليين وقبائل الشمال وعسكرهم عليهم وعلى مقدراتهم الاقتصادية، أما اليوم فقد انقلب السحر على الساحر حسب الواقع الجديد، وأصبح الحاكم بالأمس محكوماً اليوم، وهو ما لم يتوقعه أحد، والفضل طبعاً لغباء الحوثيين السياسي، وعدم قراءتهم للمستقبل واحتمالاته جيداً.
إلى اللقاء.