عبدالله بن محمد الشهيل
الحياة مهما كثرت الهموم والأحزان والمصائب والمتاعب والمظالم فيها وجارت وضاقت تظل جميلة، ومتعها كثيرة وحتى الذين ضاقوا بها كرهين المحبسين.
تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب بازدياد
وقول زهير: سئمت تكاليف الحياة. فهما يعبران عن حالة رأيا بيانها وإن اختلفت معاناة المعري عن ابن أبي سلمى..
تجمعهما: حالة ولكنهما على ما يبدو لم يكونا عازمين على التخلص من الحياة التي هي نعمة إلهية لا بد من وعي ماهيتها وإدراك كنهها مع أنها وقتية وليست بأكثر من ممر نحو مقر، وأن دوام الحال في غضونها محال: تظل عامرة بالتتابع والتتالي والتوالي والتعاقب.. والتعددية والتنوع. والإحلال بإيجاد البديل بلحظة الاندثار.. وتبعاً لذلك تغلق كافة طرق الفراغ.
ومن سننه سبحانه بالحياة تسخينها في المتقابلات.. والثنائيات اللفظية والمتباعدة جداً معانيها بالتناقضات والمتضادات فحفلت بالحركة والحيوية بالوفاق والخلاف.. والحب والبغض.. والخير والشر والاستقامة والانحراف والجمال والقبح.. والحزن والفرح.
إن الحياة شاء الله أن تكون حلية لكافة مخلوقاته سواء المفكرة أو الغريزية.. أو الجامدة بمختلف إيقاعاتها وتقلباتها والطمأنينة أثناءها: القبول بالقضاء والقدر والقناعة.. وقد أصاب (أبو البقاء الرندي) بمطلع قصيدته النونية الشهيرة:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
تلك الأيام كما خبرتها أمور
من سره زمن ساءته أزمان
منذ بعض الوقت فجعنا وكل أهلنا والمحبين بوفاة وحيد كبيرنا وعميد أسرتنا معالي الأخ فيصل مد الله بعمره (منصور) رحمه الله عقب دخوله عقده الخامس.. وإنجابه ولدين هما الآن شابان نجيبان ما زالا في العشرينيات.. إلا أنهما بدراستهما وثقافتهما ووعيهما.. وتفكيرهما ومشاعرهما أكبر بكثير من سني عمرهما.. فالكبير (معتز) طالب دكتوراة في العلوم السياسية بجامعة لندن.. والذي يصغره (فيصل) حاصل على الماجستير بالهندسة المدنية ورغم حداثة العمر والغربة يشعران محدثهما بأنهما حكيمان بالمنطق والحوار.. ولم ينسلخا عن البيئة، وظل الوطن يعيش فيهما بالالتزام.. والسلوك والولاء ومن خلاله يبصران مستقبلهما وقيمهما.. وفي حماسهما له.. والفخر بالانتماء إليه.
أما والدهما منصور - رحمه الله - فقد وقع علينا رحيله المفاجئ كالصاعقة.. لأن المرض لم يمهله حتى لأدنى حد من العلاج.. ولأنه لم يكن يشكو قبله وهو ما زال بمنتصف العمر وابن.. وابن أخ شقيق.. وبار بوالديه ومحب لكل الناس وكثير السؤال والاحترام لأعمامه.. وأقاربه والزيارات والتفقد وواسع الاطلاع.. وأنيس بحديثه وتعليقاته.
ومما فاقم فجيعة وفاته أنه كان الوحيد بعد وفاة شقيقه الأصغر (معتز) بحادث قبل ما يزيد على عشرين عاماً رحمهما الله رحمة واسعة.. خاصة بالنسبة لوالده فيصل ووالدته الأديبة والناقدة المعروفة والشاعرة المبدعة (أسيمة درويش) شفاها الله.. وشقيقتيه السيدة ريمة والأميرة منى.. ولكنهم وإن أحزنهم الفراق لم يطلبوا الثأر منه كما طلبه الشاعر:
لو وجدنا إلى الفراق سبيلا
لأذقنا الفراق طعم الفراق
وإن فاضت دموعهم.. فإنهم مؤمنون بأن المشيئة الإلهية لا راد لها.. وبقوة الإيمان والصبر والاستسلام لمشيئته تعالى خير عزاء.. وتصغر الفواجع.