محمد آل الشيخ
انسحاب الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية دبلوماسياً من اليمن وإغلاق سفاراتهم في صنعاء يعني في تقديري أن ثمة توجهاً غربياً إلى ترك الساحة اليمنية يتصارع فيها الحوثيون والقاعدة عسكرياً؛ أو بلغة أخرى ترك أمر مواجهة تنظيم القاعدة في اليمن إلى الحوثيين.
هذا ما يفهمه المراقب من اللامبالاة الأمريكية حيال مساندة الدولة والنظام السياسي في اليمن، إضافة إلى ردود فعل مجلس الأمن الباهتة حول ما يجري في اليمن من أحداث، وكأن الأمن في اليمن لا يعنيهم، رغم تحذيرات المندوب الأممي «جمال بن عمر» بأن تمدد الحوثيين السرطاني، وضربهم عرض الحائط بالحوار، ونسف المبادرة الخليجية، سيؤدي بالدولة في اليمن إلى الانهيار والوقوع في هاوية الحرب الأهلية واحتمال أن تقيم القاعدة إمارة لها هناك.. إلا أن هذه التحذيرات لم تجد آذاناً صاغية من قبل أعضاء مجلس الأمن وبالذات من أمريكا ومعها الدول الأوروبية.
وفي تقديري إن إغلاق السفارات ولا مبالاة أمريكا والغرب عموماً بما يجري في اليمن، لا يمكن قراءته وتحليله بمعزل عن توجهات أمريكية بدأت تلوح في الأفق تشير إلى إن ثمة مواجهة وشيكة للدواعش بقوات برية أمريكية على الأرض في العراق، بعد أن اتضح أن المواجهة الجوية التي عول عليها الأمريكيون كثيراً لم تُجد نفعاً، ولم تحقق تقليم أظافر الدواعش والفصائل الإرهابية معها مثل ما كانوا يأملون.
التدخل الأمريكي في العراق ومن بعدها سوريا يعني أن الفصائل الجهادية المتأسلمة ستتم محاصرتها فعليا هناك ما سيضطر كوادرهم المقاتلة إلى الانتقال إلى اليمن بعد هزيمتهم المتوقعة في العراق وسوريا، وفي اليمن سيجدون الحوثيين في انتظارهم، لتنشب حرب أهلية مذهبية بينهم وبين الحوثيين هناك، تُنهك القاعديين، وتهد قواهم، وتشغل أساطينهم عن الغرب، وتجعل قضية الإرهاب تتشظى، مُشكِّلة حرباً محضاً مذهبية بين المسلمين، السنة والشيعة، بما ينأى بالغرب ومجتمعاته عن الإرهاب وعملياته في نهاية المطاف.
هذا السيناريو فيما لو تم فإنه يُعتبر خطراً حقيقياً على المملكة ودول الخليج.. فإذا كنا قد أحكمنا حدودنا الشمالية بالسياج الحدودي المُحكم، ومنعنا الحرب الأهلية في العراق من أن تمتد إلينا، فإن حدودنا مع اليمن إضافة إلى حدود سلطنة عُمان مع اليمن فيما لو اشتعلت حرب أهلية هناك، سيكون من الصعوبة بمكان عزلها عنا بذات القدر الذي عزلنا فيها الحدود الشمالية مع العراق عن التأثر بما يجري فيها، ما يجعل انهيار الدولة في اليمن، وقيام حرب مذهبية فيها، في غاية الخطورة على أمننا، خاصة وأن الحروب المذهبية بين السنة والشيعة، هي على ما يبدو المآل الذي تقول كل المؤشرات أن الإرهاب والجهاديين سينتهون إليه.
وغني عن القول إن هزيمة الدواعش في العراق وسوريا وطردهم منها، وطردهم كذلك من الشمال الإفريقي أيضاً، وحصرهم في اليمن، يصب في مصلحة الغربيين والأوروبيين تحديداً، ويُبعد هذه الوحوش الدموية عن القارة الأوروبية، وكذلك عن إسرائيل، ويُحول الإرهاب من معركة بين الغرب والغربيين من جهة وبين المسلمين من الجهة الأخرى، إلى حروب مذهبية بين المسلمين أنفسهم، محصورة في رقعة جغرافية بعيدة عن الغرب، وعن إسرائيل كذلك، وتُحيلهم في المحصلة إلى ما يُشبه الفخار الذي يُكسر بعضه بعضاً
إن بروز وانتصار الحوثيين المفاجئ وارتباطهم المريب بإيران، وانتشارهم السريع، وتغاضي الغرب عن توسعهم بقوة السلاح، واكتفاء المجتمع الدولي بالتنديد بهم، وعدم اتخاذ أية خطوات عملية ملموسة من شأنها حصارهم، ومنع توسعهم فضلاً عن إسقاطهم للخيار الديمقراطي الذي يقول الغربيون علناً إنهم يدعمونه، وأخيراً انسحاب أمريكا وأغلب الدول الأوروبية دبلوماسياً من اليمن وإغلاق السفارات،كل ذلك يُشير إلى أن ما يجري في اليمن، جزء من لعبة كبرى، ليس الحوثيين فيها إلا مجرد بيادق على رقعة الشطرنج لا أكثر. هذا ما أجده العامل الذي يجمع ما يجري في اليمن بما يجري في العراق وسوريا وكذلك الحرب على الإرهاب، وهو ما يجب علينا أن نأخذه في الحسبان؛ على الأقل كاحتمال متوقع للتدخل الأمريكي الوشيك في العراق وطرد الإرهابيين من دول الشمال العربي.
إلى اللقاء،،،