يوسف المحيميد
في الثمانينيات ارتكبنا خطأ حصر المشروعات التنموية في المدن الكبرى، مما جعلها تنمو بطريقة سريعة جلبت معها عددا من المشاكل في توفير الخدمات، وصعوبة التنقل من جزء إلى آخر، ثم تنبهنا إلى استخدام المزايا النسبية لكل مدينة أو منطقة، وإنشاء مشروعات خاصة بها، وكان ذلك قراراً حكيماً، استفادت منه مدن صغيرة، وخفف العبء على المدن الكبرى كالعاصمة الرياض.
في السنوات الأخيرة كأننا نتجه إلى أخطاء الماضي، ولكن على مستوى المدينة الواحدة، وأعني الرياض، التي أصبحت أربع مدن في مدينة، شمال وجنوب وشرق وغرب، ففي شمال الرياض مثلاً تركزت معظم المشروعات الجديدة، مما ينذر بكثافة سكانية عالية، وتعطل مروري خانق، وذلك خلال سنوات قليلة، يصعب معه التنقل والحركة، ما لم يبدأ التخطيط باكراً لتلك اللحظة المنتظرة!
ففي الشمال، وتحديداً الشمال الشرقي، صوب المطار، قد نتعب ونحن نعد المشروعات المنفذة هناك، أو المشروعات قيد التنفيذ، فهناك جامعة الأميرة نورة للبنات، بضخامتها وأعداد الطالبات المهولة فيها، والحافلات والسيارات الخاصة التي تنقلهن، وبجوارها يجري العمل على مشروع الدوائر الحكومية في حي النرجس، وهو سيضم أعداداً كبيرة من الموظفين، وأعداداً أكبر من المراجعين، ما لم يجر تسريع تطوير الخدمات الإلكترونية في كافة الجهات الحكومية، بالذات الخدمية منها.
وفي نفس المنطقة، في الشمال الشرقي مشروعات أخرى مثل: مركز الملك عبدالله للأبحاث والدراسات البترولية، جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، مشروع الخدمات الطبية بوزارة الدفاع، معهد الإدارة العامة، وغيرها من المشروعات الضخمة التي حتماً سوف تستقطب السكان هناك، وفي تلك المناطق تحديداً!
وكأنما كل هذه المشروعات الكبيرة التي ستحتضن أعداداً بشرية مهولة، لم تُقنع هذه الجهات في التزاحم، حتى أكملت وزارة الإسكان الأمر، بالإعلان عن مشروعها الإسكاني هناك في شمال غرب المطار، لننتظر إنجاز ما يقارب سبعة آلاف وحدة سكنية، يُتوقع أن تضم ما يزيد عن ثلاثين ألف نسمة على الأقل، أي أن هذه المناطق التي تسمى النرجس، سوف تتحول إلى مناطق مزدحمة جداً، يصعب التنقل فيها، ما لم يراع ذلك في مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام، خاصة أن هذه المناطق لن يصل إليها مترو الرياض، وربما حتى حافلات النقل العام، ومع بطء تنفيذ الطرق السريعة هناك، وتعثرها أحياناً، ستصاب هذه المناطق بأزمة مرور عالية، فضلا عن صعوبة توفير الخدمات التعليمية والصحية لهؤلاء السكان الذين قد تصل أعدادهم، خاصة مع النمو العمراني السريع شمالاً، إلى أكثر من مليون نسمة!
من يتجول هناك، يكتشف أن ثمة رياض جديدة، تبدو أنيقة وجميلة ومتطورة، لكنها خلال سنوات قليلة، ستتحول إلى أكثر أجزاء المدينة ازدحاماً واختناقاً مرورياً، إذا لم يتم تدارك هذا الأمر مبكراً.