د.عبدالله مناع
استطاع المصريون بـ(حبهم) لمصر و(خوفهم) عليها.. من التردي في ضلالات (الإخوان) الدينية، وانحرافاتهم السياسية، واختلالاتهم الوطنية.. أن ينجزوا مراحل (خارطة المستقبل)، التي ولدت على يد ثورة الثلاثين من يونيه الحاشدة الكاسحة.. وأن يعبروها - الواحدة.. تلو الأخرى -
خلال العشرين شهراً الماضية.. بأعلى درجات الكفاءة والاقتدار.. وصولاً إلى (آخر) محطات تلك الخارطة المستقبلية الرائعة: (الانتخابات النيابية) أو التشريعية.. التي ستجرى بعد أسابيع.. في شهر مارس القادم، لتقوم في إثرها (أولى) الحكومات الديمقراطية لـ (جمهورية مصر الثالثة).. بـ(دستور 2014م) الوطني الجديد، ورئيسها المنتخب (عبدالفتاح السيسي).. الذي سيتولى تكليف صاحب الأغلبية النيابية أو البرلمانية في الانتخابات.. بـ(تشكيل) هذه الحكومة - الأولى - لتخلف حكومة الكفاءات الوطنية، التي قادها الدكتور إبراهيم محلب.. منذ تكليفه من قبل الرئيس المؤقت (عدلي منصور).. خلفاً للدكتور الببلاوي، واستبقائه من قبل الرئيس المنتخب (عبدالفتاح السيسي).. إلى حين ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية التشريعية القادمة.. ليتم تكليف صاحب الأغلبية فيها بـ(تشكيل) حكومتها الشرعية وفقاً لـ(الدستور) المصري الجديد - الذي جرى الاستفتاء عليه في يومي 14 و15 يناير من العام الماضي -، فتستكمل (مصر) بها.. مكونات حكومتها الديمقراطية: دستوراً، ورئيساً، وبرلماناً، وحكومة نيابية.. والتي ستخرس حتماً تلك التخرصات الأمريكية والأوروبية من أن الذي جرى في (مصر) في الثلاثين من يونيو من عام 2013م.. عند حدوثه (لم يكن بأكثر من انقلاب عسكري في ثياب مدنية)!! والذي ظلت عليه في طويتها.. حتى بعد (الاستفتاء) على الدستور في يناير - ما قبل - الماضي، وبعد (الانتخابات الرئاسية المبكرة) في شهر مايو الماضي.. اللتان تولتا مراقبتهما لجنة.. لجنة، وصندوقاً.. صندوقاً، الأمر الذي جعل الكاتب والمفكر العربي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل.. يقول في آخر أحاديثه لصحيفة (الأهرام) بـ(أن واشنطن تتعامل مع «السيسي» كأمر واقع) ليس أكثر..!!
* * *
على أي حال.. إذا كان عبور محطات (خارطة المستقبل).. بدءاً من (تعطيل) دستور الإخوان، و(عزل) الرئيس مرسي.. فـ(تعيين) رئيس المحكمة الدستورية (عدلي منصور) رئيساً مؤقتاً.. فـ(تعديل) الدستور.. فـ(الاستفتاء) عليه.. فـ(إجراء) (الانتخابات الرئاسية) المبكرة.. قد كلف مصر و(أرضها) الكثير من الخراب والدمار، و(شعبها) الكثير من الدماء والدموع، والحرقة على من فقدوا حياتهم من فلذات أكبادها وجنودها ورجال أمنها على يد (جماعة الإخوان).. قبل أن يصدر القضاء المصري حكمه بـ(تصنيف) الجماعة بأنها (جماعة إرهابية) يحظر التعامل معها (قانوناً).. بعد ما ارتكبوا من فظائع ضد جنود مصر البواسل في سيناء ورفح والعريش، وضد قوى أمنها في القاهرة والجيزة والإسكندرية وكرداسة، وضد مواطنيها في أي مكان وكل مكان.. وبعد اعتصاميهما الشهيران في (رابعة) و(النهضة)، وبعد حرقهم لـ(القاهرة) وانكشاف تآمرهم على صفقة (بيع) سيناء، فإن الأمر سيكون أشد خطورة مع بلوغ هذه المرحلة الأخيرة من (خارطة المستقبل).. والتي ستبدأ اليوم أولى وأخطر وأهم خطواتها: باستقبال (اللجنة العليا للانتخابات).. لطلبات التَرشُّح لـ(عضوية) المجلس النيابي.. مجلس الشعب (القادم) من قبل الأحزاب أو الأفراد المستقلين أو التكتلات - أو التحالفات - الحزبية الست الكبرى.. كتحالف حزب الوفد المصري وقائمة الدكتور عبدالجليل مصطفى - صحوة مصر - وقائمة الدكتور كمال الجنزوري وقائمة 25-30 لمصطفى الجندي وتحالف المصريين الأحرار وتحالف العدالة الاجتماعية.. التي جرى الحديث عن اتفاقها واختلافها طويلاً حول التقدم بـ(قائمة واحدة)!! وهو أمر يصعب أو ربما يستحيل تحقيقه على أرض الواقع.. حتى بين أبناء الوطنية المصرية التي تؤمن بـ(أن الدين لله والوطن للجميع).. نظراً لاختلاف جذورها الثقافية والسياسية وتعدد رؤاها ووجهات نظرها حول قضايا الوطن (مصر) ومشكلاته.
ولذلك.. ليس مهماً أن تكون القوائم موحدة.. أو متعددة، ولكن الأهم أمام (اللجنة العليا للانتخابات).. أن يكون المتقدمون لترشيح أنفسهم من أحزاب سياسية أقر شرعية تأسيسها دستور مصر الجديد، وهو ما سيمنع وصول النسبة الأكبر من (فلول) الحزب الوطني وبقايا (الجماعة الإرهابية) ودراويشها.. من الوصول إلى عضوية البرلمان ومقاعده، وهما المتربصان الأبرزان.. بتلك المقاعد، واللذان يملكان من الأموال ما يمكنهما من شراء أصوات الناخبين من المعوزين والمحتاجين الذين وصفهم الأستاذ توفيق الحكيم ساخراً - في الأربعينات من القرن الماضي - عندما قال على لسان أحدهم (أصلها كان سنة استنخاب. أكلنا فيها زفر وركبنا أتومبيلات ودخلت جيوبنا نقدية)..!! والوصول إلى مقاعد البرلمان المصري الجديد..!!
إن مهمة (اللجنة العليا للانتخابات) ستكون عسيرة دون شك.. في كشف المندسين من هؤلاء وأولئك.. ورفض طلبات ترشيحهم، ولكن هذا هو دورها المفصلي الأهم في تأمين العبور الآمن لأهداف ثورة الثلاثين من يونيه التصحيحية (عيش. كرامة. حرية)، وتحويلها من شعارات.. وكلمات إلى حقائق على أرض الواقع..!! شيء.. كذلك الذي فعلته من قبل بـ(براعة) قانونية و(إتقان) دستوري.. في تأمين قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية المبكرة في شهر مايو الماضي من اقتحامات (الفلول) واندساسات (الإخوان) ودراويشهم.. فلا تصبح كذلك: (البازار) الذي أراده المجلس العسكري الأعلى.. في أول انتخابات رئاسية تشهدها (مصر) بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.. عندما أصبحت قائمة المرشحين تضم أحد عشر مرشحاً..!! حتى استطاعت أن تقدم في النهاية (مرشحيْن) للرئاسة يمثلان بحق (الفداء) في أعلى تضحياته، و(الوطنية) في أسمى تجلياتها!!
* * *
على أن الأهم بعد ذلك.. ليس أمام اللجنة العليا للانتخابات، ولكنه أمام (مصر) كلها.. بـ(جنودها) و(أمنها) وجمعياتها ومؤسساتها المدنية: هو (يوم) أن تفتح أبواب اللجان الانتخابية لاستقبال الناخبين ليدلوا بـ (أصواتهم).. وما يمكن أن يفعله بقايا الإخوان خاصة في ذلك اليوم من شهر مارس القادم.. سواء بتفجير مركز انتخابي هنا.. أو لجنة فرعية هناك.. أو إشغال الوطن كله بحرب مفتعلة في سيناء.. أو ضرب مشروع تطوير قناة السويس القومي الذي أسهم فيه كل المصريين بصاروخ أو صاروخين.. أو بنسف قطار من قطارات الصعيد أو وجه بحري.. أو ضرب مصادر الطاقة الكهربائية في السد العالي حتى تبيت (مصر) كلها في ظلام دامس.. فيموت من أبنائها من يموت ويحيا من يحيا.!! فليس في فلسفة الجماعة (الإرهابية) أو في فكرها: الاهتمام بالفرد، أو المواطن وحياته.. (لأن الأمة.. أبقى من الفرد!!).. كما يقول توظيفهم الاعتسافي المخادع.. لذلك المعنى النبيل، عندما تواجه الأمة خطراً ماحقاً يهدد مصيرها وكيانها و(هويتها) و(دينها).. وليس عند (إزاحة) رئيس لم ترض عن أدائه، أمته التي جاءت به.. إلى مقعد الرئاسة!!؟
ولكن هذه هي (الجماعة).. وهذا هو خداعها القديم و(تدليسها) الجديد في استخدام أنبل المعاني لـ(خدمة) أرخص الأهداف! فالذين (خادعوا) الناس بقولهم إن (جبريل) ملاك الوحي كان يصلي معهم صلاة (التراويح) في اعتصام رابعة، والذين ألقوا بجثث ضحاياهم - من المخالفين لرأيهم - من فوق أسطح عمائر سيدي جابر وداسوا بـ(أحذيتهم) رؤوسهم، والذين واجهوا المتظاهرين العزل المطالبين بـ(رحيل مرسي) و(أن لا حكم للمرشد).. بالرصاص الحي، ليسقط في تلك الليلة.. سبعون قتيلاً بين المقطم وسيناء، والذين أحرقوا القاهرة وجوامعها وكنائسها وديرها وشوارعها وميادينها وعماراتها.. لا يُستبعد - منهم - أن يفعلوا أي شيء، وكل شيء.. مما يخطر وما لا يخطر على البال.. خاصة وأن هذه الأيام القادمة - من 21 إلى 23 - من شهر مارس ستشكل آخر فرص ظهورهم المبررة على خشبة الأحداث.. باعتبارها آخر محطات (خارطة المستقبل)، والتي سيتم الانتقال بعدها.. إلى مرحلة جديدة مع تشكيل الحكومة المصرية النيابية، لتتولى التعامل مع (الجماعة) وإرهابها، ومع (الفلول) والأموال التي نهبوها ولم تُسترد منهم.. بملاحقتهم بـ (القانون) وأحكام (الدستور)..!!
* * *
لقد فعل (الفلول) في الأقل.. و(الإخوان) في الأكثر كل ما في وسعهم خلال المحطات الخمس الأول من (خارطة المستقبل).. ولم يبق أمامهم أو لهم غير هذه المحطة القادمة.. الأخرى والأخيرة، أو المعركة المصيرية القادمة.. والتي ستكون معركة كسر العظام كما يقولون، فهم سيستميتون فيها.. إما بمحاولات إدخال (عناصرهم) إلى مجلس الشعب.. أو بـ(إفشال) العملية الانتخابية برمتها.. حتى يتعطل تشكيل الحكومة الديمقراطية المنتظرة، وتدخل مصر في حلقة من حلقات الفراغ الدستوري.. بعدم وجود حكومة نيابية برلمانية.. تدير البلاد وشؤون الوطن؟!
على أي حال.. إذا كان (الإخوان) أو (الفلول).. يرون في المعركة الانتخابية القادمة.. معركة مصير بالنسبة لهما حتى وإن لم تفضيا إلى شيء مما يتمنونه.. فإنها معركة (مصير).. بالنسبة لمصر الوطنية، التي قامت بثورة الثلاثين من يونيو لتسترد بها (صورتها) الحضارية الثقافية التاريخية.. ودورها العربي الغائب والمفتقد..!! وهو ما يرجوه ويأمله كل عربي أحب مصر من المحيط إلى الخليج؟!