في خطوة -أخرى- استفزازية لمشاعر المسلمين، قررت بعض الصحف الغربية، والأوروبية، إعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة في حق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صفحاتها، وذلك بعد الهجوم الأخير على مقر مجلة «تشارلي ايبدو» الفرنسية؛ ولأن عملاً كهذا يكيل بمكيالين في شأن الحرية المزعومة، فما الذي يدفع تلك الصحف إلى إعادة نشر الرسوم المسيئة لشخص نبي من أنبياء الله؟، فإن كان العدو الأول للعالم الغربي هو الإرهاب، وليس الإسلام، فلماذا يتجرأون -مرة أخرى- على نشرها، والإصرار على تكرار الإساءة؟.
إن نشر هذه الرسومات الساخرة جرح لمشاعر المسلمين، وإذكاء لروح الانتقام، وافتعال أعمال العنف، والعنف المضاد. وإن كان ثمة أسباب تقف خلف هذه الظاهرة، فإن فهم المجتمعات الغربية للعلمانية -بصفة خاصة-، ولقضية التعددية الدينية -بصفة عامة-، مرتبط بقضية شائكة، تتمحور حول مسألة الهوية، واندماج المسلمين داخل المجتمعات الغربية، إلا أن الأزمة في جوهرها، هي أزمة هوية داخل المجتمعات الأوروبية، ترتبط بنمو الإسلام، والمسلمين داخل تلك المجتمعات، وأن لكل نموذج من نماذج الاندماج تبعاته، كما تعبر عنها الكاتبة «سارا مولر» في مقالة نشرتها صحيفة «لوس أنجلوس تايمز».
ليس لدي أدنى شك، أن هذه الأفعال تخدم أجندة سياسية واضحة، تستهدف في المقام الأول الإسلام -عقيدة ورسالة- والمسلمين -مكانة ومقدرات وإمكانات -، إضافة إلى محاولة إبقائهم في دائرة الاستهلاك، والتخلف. كما أن أصحاب هذه الرسومات المشينة يراهنون على استفزاز الجاليات الإسلامية في تلك الدول، ومحاولة جرهم إلى اتخاذ ردود فعل غير مدروسة، تكون ذريعة للسلطات التشريعية في تلك الدول؛ للتضييق عليهم، ومحاربتهم، ودفع الشعوب الأوروبية لمعاداة الإسلام.
إن مبادئ الحرية، والتعبير عن الرأي، لا تعنيان التطاول على مقدسات الآخرين، والتشهير بهم، فأحد أهم مبادئ الحرية وقوفها عند حرية، ومشاعر، ومقدسات الآخرين. وفي المقابل، فإن حدود حرية الرأي، والتعبير، تقف في أوروبا تجاه من ينكر، أو يستهزئ بمجازر الهولوكوست ضد اليهود؛ لتصبح جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك عندما يتعلق الأمر بشجب جرائم الصهيونية، ومجازرها، أو التشكيك في أساطيرها، وخرافاتها.
من جانب آخر، فإن إدانة جميع الأعمال التي تخرج عن النطاق القانوني، وإغلاق الباب أمام المتعصبين، الذين يريدون أن يقع اتباع الديانات، والثقافات في صراع مستمر، لا رابح فيه سوى قوى الشر، والإرهاب، حق مشروع، وإلا فإن مواجهة هذه الإهانات ستترك آثارًا سلبية على العلاقة بين الجاليات الإسلامية، والمجتمعات الغربية، كون هذه الأعمال أفعالاً عنصرية، تفجر مشاعر الكراهية، والبغضاء بين الشعوب، كما أنه استفزاز غير مبرر لمشاعر مليار، ونصف المليار مسلم عبر العالم، يكنون الحب، والتقدير لنبيهم -صلى الله عليه وسلم-.
إن تبني مشروع قرار في البرلمان الدولي، والأمم المتحدة، يجرم الاعتداء، أو الإساءة إلى المقدسات، والأديان السماوية، وتشويهها، تحت شعار حرية الرأي حق مشروع، وعكس ذلك سيتسبب في موجة جديدة من الكراهية في المجتمعات الفرنسية، والغربية -بشكل عام-.
وعليه، فإن ما تقوم به بعض الصحف الغربية، لا يخدم التعايش، وحوار الحضارات الذي يسعى المسلمون إليه، بل هو مناهض للقيم الإنسانية، والحريات، والتنوع الثقافي، والتسامح، واحترام حقوق الإنسان، كما أنها تعمق مشاعر الكراهية، والتمييز بين المسلمين، وغيرهم.