كانت السلاسة التي تميز بها انتقال الحكم في المملكة محل اهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية، فبعكس ما يحدث في بلدان عديدة من تناحر وتوترات في مثل هذه الظروف تمت مبايعة ملك البلاد وولي عهده وولي العهد في غضون ساعات قليلة من وفاة فقيد البلاد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، ومضت الحياة اليومية في البلاد وفق إيقاعها المعهود بلا توقف أو وجل.
أما الجانب الآخر الذي تنبهت له وسائل الإعلام العربية والعالمية في تغطياتها للحدث والتعليق عليه فهو أن الملك الجديد بشخصيته وتكوينه النفسي والثقافي يجسد معنى ورمزية النموذج السعودي في الحكم من خلال معايشته لجميع ملوك المملكة العربية السعودية وقربه منهم وذلك انطلاقاً من موقعه داخل الأسرة الملكية واهتماماته الشخصية الثقافية والاجتماعية والسياسية وموقعه الوظيفي لمدة نصف قرن كأمير للرياض عاصمة المملكة حيث تُصنع القرارات.
هذه الجوانب التي لفتت وسائل الإعلام العربية والعالمية لم تكن غائبة عن ذهن المواطن السعودي، فالملك سلمان بن عبدالعزيز كان ولا يزال شديد التواصل مع المواطنين سواء النخب الثقافية والاجتماعية أو عموم المواطنين بمختلف شرائحهم وفئاتهم، وهم يعرفون سلمان بن عبدالعزيز حق المعرفة ويقابلونه سواء في اللقاءات الرسمية أو الاجتماعية التي تتم بشكل منتظم غير منقطع.
وفوق ذلك يعرف المواطنون مدى إحاطة سلمان بن عبدالعزيز بتاريخ مناطق المملكة وقبائلها وأسرها إذ مِنْ الأمور التي يلحظها الناس أن الملك سلمان كثيراً ما يُفاجئ من يأتي للسلام عليه أو يقابله لأمر ما أن الملك على علم باسم وتاريخ القبيلة التي ينتمي إليها ذلك الشخص أو أسرته أو منطقته أو المكان الذي جاء منه. ويأتي ذلك من خلال اهتمام الملك سلمان بتاريخ المملكة وقبائلها ومناطقها وقراءاته الواسعة في هذا المجال واختلاطه مع الناس.
أما النخب الثقافية فتعرف عن قرب سعة اطلاع الملك سلمان واهتماماته الثقافية لأن الملك يبادر بالاتصال بالكتاب والمثقفين ويتناقش معهم فيما يكتبونه ويعلق عليه أو يضيف ويتساءل عن جوانب تلتقي مع مجالات تخصصاتهم، ولا اعتقد أن كاتباً يمارس الكتابة المنتظمة في الصحافة السعودية لم يتلقَ مكالمة هاتفية من الملك سلمان للتعليق على ما يكتب، كما أنه لا يبخل بالإشادة بما قد يعجبه أو ينتقد ما لا يتفق معه بأسلوب يحترم فيه رأي الكاتب.
ومن المعروف عن الملك سلمان تشجيعه للكتاب بممارسة دورهم التنويري التنموي، وكان كثيراً ما يبدي استغرابه من ضيق بعض المسؤولين بالنقد لأن النقد ـ كما يردد دائماً ـ إما أن يكون صحيحاً فيُستفاد منه أو غير صحيح فيتم الرد عليه.
ولا تقتصر علاقة الملك سلمان بالثقافة والمثقفين على السعودية والسعوديين، فهو يملك علاقات واسعة مع كبار الكتاب والمثقفين في الوطن العربي تمتد لأكثر من نصف قرن، وكثيراً ما يشاهد الناس في مجلسه مثقفين بارزين من مختلف البلدان العربية يتبادلون الحوار معه في شتى الأمور.
ويأتي تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز للحكم في المملكة في ظروف صعبة إقليمياً وعربياً وعالمياً. فالمنطقة العربية تعج بالأحداث الكبيرة المزلزلة، والساحة الدولية تشهد تجاذبات تكاد تعيد المجتمع الدولي إلى زمن الحرب الباردة التي ظن العالم أنها انتهت بزوال الاتحاد السوفيتي السابق، والساحة الاقتصادية تحاول التعافي من الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالعالم منذ حوالي ست سنوات، والساحة البترولية تشهد تغيرات كبيرة وبدائل جديدة للطاقة وانخفاضاً حاداً في أسعار النفط.
إن سلمان بن عبدالعزيز، بما يملكه من رصيد وتجربه طويلة في الحكم المحلي وفي العلاقات الواسعة مع الزعماء والقادة على الساحة العربية والدولية، هو رجل المرحلة القادر إن شاء الله على التعامل مع متطلبات الزمن الصعب. دعاؤنا له بالتوفيق والسداد، وللملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بالمغفرة والرحمة، وأن يحفظ الله بلادنا من كل شر.