| |
الحج أيام معدودات د. ابتسام بنت بدر الجابري (*)
|
|
قال تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} النور 44 من منة الله تعالى علينا أن جعل لنا هذه الأيام والأعمار التي لا يعتبر بمرورها وتقلبها إلا أولو الأبصار. فما هي إلا أيام وأنفاس وأعمار ما مضى منها لا يعود، فابن آدم أيام إذا ذهب يومه ذهب بعضه، وهو منذ وضع قدمه في هذه الدنيا هو سائر عنها وماض. وعجباً لمن عمل لدار راحل عنها، وترك العمل لدار هو راحل إليها، وقد امتن الله علينا بأيام عشر ذي الحجة أيام معدودة {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة:( 203). يجتهد المرء فيهن فيعظم له - سبحانه - الأجر ويغفر له الذنب والوزر، فصاحب البصيرة يستغل هذه الأيام حتى يستدرك ما فوت وأضاع. وهذه الأيام هي من أحب وأعظم الأيام، والعمل الصالح فيها أفضل من العمل في غيرها قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- (ما من أيام العمل الصالح فيهن) أخرجه البخاري أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ولا الجهاد في سبيل الله، فقال رسول الله - عليه الصلاة والسلام -: (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء). وورد في فضل يوم عرفة حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: إن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء) أخرجه مسلم، فهو يوم المغفرة والعتق وصيامه يكفر سنتين. فعن أبي قتادة- رضي الله عنه-، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سئل عن صوم يوم عرفة، فقال: (قال يكفر السنة الماضية والباقية)، أخرجه مسلم. ومن أفضل الأعمال في هذه العشر حج بيت الله الحرام، ففي الحج تجتمع صور العبادات المختلفة القلبية والبدنية والمالية، وقد قال- صلى الله عليه وسلم- حين سئل: أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله ورسوله: قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. متفق عليه. وأصل الأمر فيه تقوى الله قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} البقرة: (197) فتكرر ذكر التقوى في هذه الآية مراراً تأكيداً على الأمر به، والتقوى أمر عظيم وبه يكون القبول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة: (27) والحاج لابد أن يكون تقياً حتى يتحصل على عظيم الأجر الذي وعد به الله. (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) أخرجه البخاري، (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) أخرجه البخاري، ومتى ما استقام العبد ولزم الطاعة وترك المعصية، وحرص على سرعة الاستجابة زاده الله هدى وآتاه التقوى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} محمد: (17)، فلابد من إدراك العبد لحقيقة الحج، والحكم والغايات منه حتى يؤديه كما ينبغي لوجه الله - سبحانه وتعالى -، فالتقوى أصل الحج والأمر به. ومن أهم الأمور التي ينبغي أن يتمثل بها الحاج التي يحصل فيها خلل كبير من قبل بعض الحجاج: أولاً: تعظيم شعائر الله: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} الحج: (32) {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} الحج:(30)، وما يحدث في زماننا من البعض من تفريط في هذا الجانب هو من الخسران العظيم فلابد من مراعاة حرمة هذا الزمان وهذا المكان. فمتى ما كان هذا التعظيم جليا في النفوس، ومتمثلاً في الجوارح لما وجد ما يوجد من المفرطين من قول بذيء، وعمل سفيه، وتجاوز وفحش وزور. ومن صور ذلك سوء الخلق، التهاون في الذنوب، أذية المسلمين، عدم حفظ السمع والبصر، من الحرام، تبرج النساء، العبث بالأماكن المقدسة وإهمال العناية بنظافتها، ورمي القاذورات وغير ذلك مما تندى له الأنفس الأبية أن يكون هذا في البلد الحرام والزمن الحرام. ثانياً: الاستكثار من الخير: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} فما هي إلا أيام معدودات لابد من الاستكثار فيها من الخير، كما أمر - سبحانه - وحث عليه، ومن صور ذلك قراءة القرآن والذكر وكثرة الاستغفار والدعاء، وبذل المعروف وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسن الخلق، وإعانة المحتاج.. ثالثاً: التزود بالعلم: فلابد للحجيج من تعلم ما يتعلق بهذه العبادة أركاناً وواجبات وسنناً حتى لا يحدث ما يخل بها أو ينقصها، ولا يفرط في طلب العلم حتى إذا أخلّ وأخطأ وجهل أخذ يسأل ويبحث عن مخرج وحل.
(*) كلية التربية بجدة
|
|
|
| |
|