| |
كيف نستثمر الحج في الدفاع عن دين الله؟!
|
|
* كتب - مندوب (الجزيرة): التطاول على دين الله، وعلى كتابه العزيز ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وثوابت الدين، صار ظاهرة لافتة للنظر، ما بين رسوم مسيئة لرسولنا الكريم في صحف غربية، أو خطب لقادة كنائس وباباوات، أو تصريحات مسيئة للإسلام من سياسيين، وإعلاميين، أو مدّعي فكر، وكأن هناك منظومة ممنهجة تحرك هؤلاء جميعاً وتضعهم في قالب واحد، برؤية واحدة لهدف محدد وهو الإساءة للإسلام ولخاتم الخلق، فمرة يلمزون في القرآن الكريم، وأخرى يسخرون من رسول الله، وثالثة يتهمون الإسلام كدين بأنه دين عنف وإرهاب، ويبقى دور المسلمين في الدفاع عن دينهم ضد هذه الحملات المرتبة الظالمة بمقارعة الحجة، وإقامة الشهادة لله على الناس أجمعين. ويعد موسم الحج فرصة للتعريف بالإسلام واستغلال وجود هذه الحشود الكبيرة لوضع خطة عمل للدفاع عن الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، كل حسب قدرته ومسؤوليته، وكل في موقعه يعرّف بدينه ورسوله، وينافح عن الإسلام والمسلمين، فكيف يمكن استثمار الحج في التعريف بالإسلام ومبادئه، وما السبيل الأمثل للتصدي للمسيئين للقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم؟! في البداية يقول الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الشثري عميد كلية أصول الدين بالرياض: الحج فرصة عظيمة، وميدان فسيح للتعرّف على سماحة الإسلام ويُسره ووسطيته، وما يحمل من أحكامه وتشريعاته من الرحمة والإحسان. التعريف بالإسلام يكون في جميع أركانه وشرائعه، وليس في الحج فحسب، ولكن لأن الحج آخر أركان الإسلام، اجتمعت فيه عبادات متعددة من التوحيد والصلاة والصيام والصدقة والاتباع ضمن تأمل شعائر الحج، وجد أن جميع أركان الإسلام قد اجتمعت في هذه الفريضة العظيمة، فالحج فرصة سانحة للتعريف بكل هذه المعاني والشعائر الإسلامية التي يعود نفعها وصالحها للبشر. ومما يلفت الانتباه في أداء مناسك الحج اجتماع المسلمين من كل بقاع الأرض ليلتقوا على صعيد واحد بأمر من الله، حيث قال لخليله إبراهيم عليه السلام: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا}، فالإسلام وحَّدَ بينهم، وألف بين قلوبهم وجعلهم إخوة متحابين متآلفين، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقال جل ذكره: {وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} وقال سبحانه: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} الآية. هذه حقائق التعريف بالإسلام التي تستفاد من فريضة الحج، كذلك يؤخذ من أداء الحج في التعريف بالإسلام، أن الإسلام دين السلام والمحبة والرحمة، حتى مع الحيوان والنبات فضلاً عن الإنسان، فالله تعالى أمر الحاج إذا دخل في النسك ألا يقتل صيداً، في قوله جلَّ ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ} الآية، وألا يقطع شجراً من مكة مما لم يزرعه الإنسان كل ذلك يدل على معانٍ عظيمة من محبة الإسلام إلى السلام ودعوته إليه. ومما يؤخذ من الحج في التعريف بالإسلام ومبادئه أنه يعطف على الفقير والمسكين وذي الحاجة المحتاج يدل على ذلك أن الحاج حين ينحر ما يتقرّب به للحرم، أو يذبح أضحية أو هديا فقد أُمر أن يُعطى الفقير منها لقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، ومن التعريف بالإسلام في الحج أن تلك الجموع الغفيرة التي جاءت من كل حدب وصوب لينالوا المنافع الدينية من أداء العبادات الفاضلة، وينالوا المنافع الدنيوية من التكسب وحصول الأرباح والبيع والشراء وكل هذا أمرٌ حاصل ومشاهد وكلٌ يعرفه وقد أخبر الله عنه بقوله سبحانه: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}، فمن تأمل نصوص الشريعة الواردة في عبادة الحج استطاع أن ينقل تلك المعاني والهدايات إلى الناس في التعريف بالإسلام، وأنه دين الرحمة والإحسان ودين الأمان والسلام. فتح باب الحوار ويحدّد د. الشثري السبل الكفيلة لمواجهة المسيئين للإسلام، وذلك يكمن في أمور منها: أولاً: الثبات على الإسلام والصبر على الأذى الذي يسمعه الإنسان المسلم، وهذا جاء في آيات كثيرة في القرآن تحث على الصبر والتحمل مما يسمعه المسلم، ومن ذلك قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}، وغير ذلك من الآيات. ثانياً: السعي في نشر هدايات الإسلام والدعوة إلى شرائعه وأخلاقه وآدابه ففي ذلك رد على من يطعن في الإسلام ويُسيء إليه وهذا من أنفع الوسائل في التصدي لتلك الإساءة فإذا قام المسلمون من العلماء والدعاة بواجبهم في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس، علموا زيف تلك الأذية وبطلان تلك الإساءة. ثالثاً: فتح باب الحوار في بيان الحق فقد كان الأنبياء عليهم السلام يواجهون من أقوامهم الأذى والإساءة، بل السخرية والازدراء بدعوتهم فما كان منهم إلا الصبر ومناصحة أقوامهم، وبيان الحق لهم، وإقامة الحجة عليهم وهذا واضح في قصص الأنبياء في القرآن الكريم، فإذا وجد الحوار والنقاش لبيان من أساء للإسلام سيكون من ذلك نتيجة تؤدي إلى تحقيق المقصود. رابعاً: ومن التصدي للإساءة إلى الإسلام تفنيد تلك المزاعم والرد عليها، وإقامة الندوات والملتقيات في كشف عوارها وتوضيح بطلانها سواء كان ذلك في مناقشات علنية أو مقالات صحفية، أو كتابة أبحاث علمية ليعلم الناس الحق فيتبعوه، ويقفوا على الباطل فيجتنبوه، وقد كان الأنبياء عليهم السلام يفندون مزاعم أقوامهم حينما يسيئون إلى الإسلام كما أخبر الله عنهم في القرآن الكريم. طرق الاستثمار ويبيِّن الدكتور سليمان بن صالح القرعاوي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالأحساء: أن استثمار الحج في التعريف بالإسلام يكون عن طريق الآتي: أولاً: القيام بتوعية المسلمين في جميع أنحاء العالم - خاصة غير العرب - بالسلوك الواجب على الحاج اتباعه أثناء أداء الفريضة، حتى يرى العالم السلوك السوي المتحضر للمسلمين في هذا التجمع العملاق مما يجعله يغيِّر فكره عن الإسلام والمسلمين. ثانياً: العمل على توضيح مشاعر الحج وبيان الحكمة من الشعيرة، وفائدتها وذلك من خلال سفارات المملكة العربية السعودية في الخارج، ومن خلال المراكز الإسلامية السعودية وطباعة الكتب والمطويات والنشرات لتوزيعها على أبناء الدول المختلفة كل حسب لغته. ثالثاً: إنشاء فضائيات إلى مستوى العالم، يشرف عليها العلماء الأفذاذ، لنشر تعاليم الإسلام بعامة وحكمة الحج وتعاليمه بخاصة، وبكل لغات العالم. رابعاً: إرسال الدعاة الذين يتقنون اللغات الأجنبية إلى تلك الدول، لنشر تعاليم الإسلام، وتوضيح مرامي الحج والفكرة التي تقوم عليها كل شعيرة من شعائره، إلى تقديم المساعدات المادية والعينية للمحتاجين من المسلمين، وغير المسلمين لاستمالة قلوبهم وتقربهم من الإسلام والمسلمين، ولتكن قسماً منها، وتوضيح المصدر الذي جاءت هذه اللحوم منه وهو الحج. خامساً: إقامة المشاريع الاجتماعية في البلدان المختلفة، مثل إنشاء المدارس والمعاهد والجامعات والمراكز الصحية، والمستشفيات والخدمات العامة الأخرى، حتى تؤثِّر إيجاباً في نفوس غير المسلمين. وعلى الرغم من كون الحج عبادة روحية سلوكية اجتماعية عالمية، فإن أعداء الإسلام ما فتئوا يثيرون حوله شبهاً تافهة مردودة، ومن ذلك أنهم يتهمون المسلمين بأنهم يعبدون الكعبة، أو يعبدون الحجر الأسود، مع علمهم بأن الكعبة في عقيدة المسلمين مركز في الأرض، لتوحيد اتجاه المسلمين عند عبادة الله بالصلاة، ولتوحيد مطاف المسلمين عند عبادة الله بالطواف، وأما الحجر الأسود فهو علامة لتحديد الركن الذي يبدأ الطواف من عنده من أركان الكعبة ورمز لمبايعة رب الكعبة على الطاعة والمحبة، ويشككون بعبادة رمي الجمار في الحج، مع أن هذه العبادة تعبير مادي عن جانب الكفر بالطواغيت، الذي هو جزء من الإيمان، إذ لا يتم إيمان المؤمن حتى يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله. مقترحات مهمة ويقدم الدكتور محمد سعيد السرحاني الأستاذ بجامعة أم القرى بعض المقترحات لتنفيذ كيفية استغلال الحج في نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وذلك في النقاط التالية: أولاً: عقد مؤتمر أو ملتقى في مكة المكرمة حول الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الصورة المشرقة لشخصيته صلى الله عليه وسلم ومحاسن الشريعة الإسلامية تنظمه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي وجامعة أم القرى يشارك فيه رؤساء الوفود وممثلو الجامعات الإسلامية في العالم. ثانياً: التنسيق بين المؤسسات والهيئات المشاركة في الحج لإقامة الدورات الشرعية والبرامج الدعوية في موسم الحج مع أهمية ترتيب أولويات الدعوة وخدمة الحجيج بحيث يبدأ ببيان مسائل التوحيد والتحذير من الشرك والبدع مع بيان واجب المسلمين في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته. ثالثاً: إقامة البرامج العلمية الخاصة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وعرضها في وسائل الإعلام المختلفة قبل وأثناء موسم الحج مع العمل على استئجار أوقات محددة في وسائل الإعلام الغربية لبيان حقيقة الإسلام وأخلاق نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. رابعاً: تعميم شعار الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عبارة تدل على ذلك في كروت صعود الطائرات الناقلة للحجاج بلغات الحجيج. خامساً: التنسيق مع مكاتب دعوة الجاليات المنتشرة في مدن المملكة للمشاركة في الحج بدعاتها وإقامة دورات شرعية بلغات الحجيج في أماكن تجمعهم في مكة والمدينة. سادساً: تسجيل عبارات الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان مكانته في اللوحات الإلكترونية المقامة في ساحات الحرمين وأماكن وجودهم. سابعاً: التنسيق مع شركة الاتصالات موبايلي لتضمين الرسائل الترحيبية المرسلة للحجاج عند دخولهم للمملكة عبارات تذكِّر بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم. ثامناً: وضع لوحات توجيهية تحمل شعار نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في صالات استقبال الحجاج في المطارات والموانئ بلغات الحجيج المختلفة. تاسعاً: التنسيق مع مطوفي الحجاج في الرحلات الطويلة بإقامة برامج دعوية خلال رحلة الحج في كل حافلة تقل الحجاج تتضمن الحديث عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم. عاشراً: تكثيف الدروس العلمية والدورات الشرعية في مدن الحجاج وبعد انتهاء موسم الحج وفي أوقات انتظار الحجيج زمن المغادرة إلى بلدانهم. حادي عشر: العمل على ترجمة خطب الجمعة في الحرمين وفي أماكن وجود الحجاج في مكة والمدينة فيما يهم المسلمين ومن ذلك نصرة النبي صلى الله عليه وسلم. ثاني عشر: عقد الدورات الخاصة بأدب الحوار وقواعد المناظرة وإقامة الحجة على خصوم الإسلام لأهل العلم من حجاج بيت الله الحرام. ثالث عشر: الاستفادة من الطلاب الوافدين في جامعات المملكة في إلقاء الدروس والمحاضرات والدورات الشرعية لحجاج بيت الله الحرام بلغات بلدانهم. رابع عشر: طباعة الكتب والمطويات والمنشورات المختصرة التي تجلي شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتبيِّن مكانته لتوزع على الحجيج في أماكن سكناهم. خامس عشر: إقامة معارض الكتاب والشريط الإسلام في مكة والمدينة بلغات متعددة لتعليم الحجاج أمور دينهم مع التركيز على البرامج التي ترشد إلى دعوة غير المسلمين وكيفية نصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم. سادس عشر: وأخيراً ندعو أهل اليسر والإنفاق في بلاد المسلمين وما أكثرهم إلى استثمار جزء من أموالهم في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال وسائل الإعلام المختلفة بإنشاء قنوات فضائية بلغات متعددة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عن الإسلام وبيان الصورة المشرقة لهذا الدين.
|
|
|
| |
|