Al Jazirah NewsPaper Friday  29/12/2006G Issue 12510أفاق اسلاميةالجمعة 09 ذو الحجة 1427 هـ  29 ديسمبر2006 م   العدد  12510
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

الرأي

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

زمان الجزيرة

الأخيــرة

الحج.. بين نفحات الرحمة وأخطاء الحجيج
د. عبدالله بن عبدالرحمن الميمان (*)

مما يعزّ على نفسي أن أرى جماعات من الحجاج ترتكب أخطاء لو علمت عن عظمها ما فعلتها! بل لو أدركت خطورة بعضها لم تعنّ للبيت العتيق باذلة المال والجهد والنفس ثم تفعل في حجها ما يوبقه أو يقدح فيه!
ولهذا جمعت ما في نفسي من خطرات عسى أن تجد من مقتدر أذناً صاغية، فيوافق شن طبقة، وهي وإن كان بعضها في صميم أحكام الحج إلا أن بعضها مما يقترن به ويعين على كماله، وهي كما أرتبها:
الأولى: لا بد للحاج أن يتنبه إلى الخروج إلى الحج بنية صالحة، بمعنى نية خالصة لله تعالى لأداء فريضة الله عليه في الحج، وينتقض هذا بنية كنيّة السياحة، أو زيارة قريب في السعودية، أو زيارة القبر النبوي، أو طلب الترفه بالسفر أو غير ذلك من النيات التي تقدح في صلاح الفعل؛ قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف، ومقتضى هذه الآية أن لا يشرك في نيته للحج شيئاً سوى قصد البيت الحرام للحج.
الثانية: كثير من حجاج بيت الله الحرام لا يتعلم ماذا سيفعل إذا قدم للحج، وهذا خلل كبير، فإن الله تعالى يقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} (19) سورة محمد؛ ولهذا استنبط منها العلماء أن العلم يكون قبل العمل، وهذا يفسر كثيراً من الغرائب التي يراها الإنسان في تصرفات بعض الحجيج - هداهم الله - في الموسم، كالطواف بين الصفا والمروة أربع عشرة مرة، وكالسعي بينهما في غير وقت الحج من غير إحرام، حيث يظنه بعضهم مثل الطواف، وكقذف الجمار بالحصى الكبيرة والنعال، وكيل الشتائم للشيطان حيث ثمَّ!!
الثالثة: يظهر من تصرفات جمع لا بأس به من الحجاج أنهم يأتون بقلب منفعل للحج، فويل ثم ويل لمن يقف أمامهم، ولذلك تقع المضاربات بينهم، وتكون المنازلات كلما زادت نسبة الجهل والانفعال، ظناً أن الحج هو الانفعال العصبي خاصة عند الجمرات. وكم وقعت من نفس بريئة بين ميت وجريح نتيجة ازدحام قدح ناره مجموعة عقدت أيديها ببعضها، وانفعلت متقدمة للأمام كأنهم مقدمة جيش مقاتلة، فوقع من وقع من كبير أو مريض أو ضعيف، وصاروا عثرة لمن خلفهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرابعة: أنه كما تتصور نفوس كثير من الحجاج أن الحج هو انفعال النفس وانزعاج القلب، كذلك منها ما يتصور أن الحج مظاهرة عالمية، كلما زاد الصوت الجماهيري فيها زاد تأثيرها، فيا للعجب!!
انظر كيف التبس عليهم نقل الحج من كونه عبادة إلى جعله مظاهرة، ومن كون النفس فيه أقرب للخشوع والتذلل إلى جعلها نفساً صداحة صارخة بخطاب جماهيري جماعي؟! وهذا قد يفسر لي شخصياً التكبير الجماعي داخل أروقة المسعى حيث ينطلق الآلاف خلف (قدوة) لهم يصرخ بالدعاء ويصرخون وراءه، ويدعون بما لا يعرفون معناه، ويزيد الحماس مع ارتفاع الصوت والجهورة به.
الخامسة: وهذه أقولها بكل مضض وأسف، الحج: هو مضايقة المسلمين، والنوم في طرقاتهم ورمي النفايات بالأطنان في أطهر البقاع، مع ما يضاف من قذارة الأبدان، والبصاق على الأرض، وافتراش كل متسع ومضيق، نعم! هذا ما عرف عن كثير من جهال الحجاج لغلبة الجهل عليهم وأمنهم العقوبة، وقلة وعيهم بشرفي المكان والزمان.
السادسة: الحج في تصرفات بعض الحجاج هو المجيء إلى مكة لرؤية الحرم، وزيارة آثار مكة وطيبة لا غير! لا عبادة لله، ولو علموا لما فعلوا؛ فالحج عبادة شرطها كشرط سائر العبادات؛ الإخلاص لله ومتابعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحيثما اختل الشرطان، افتقد العمل الصالح.
السابعة: كثير، إن لم أقل أغلب الدول الإسلامية ترسل حجاجها من دون تعليم ولا تدريب، حتى لأقل ما يجب أن يتعلمه الحاج، ولو في الآداب العامة في الحج كالمزاحمة والدخول في الاختناقات الآدمية، والتلطف مع الحجاج، والسؤال عند الجهل، والامتناع عن التدخين، ولو في مكة وعدم رمي القاذورات إلا في أماكنها، وعدم البصق في الأماكن العامة!! فضلاً عن أن يتعلموا صفة الحج بأركانه وشروطه ومحظوراته، فضلاً عن أن يتعلموا صيانة أنفسهم من الرفث واللغو، فوا أسفاه!!
الثامنة: يفترض أن يتعلم الحاج ما له وما عليه من أنظمة البلد، فيتعلم أنه في بلد له نظام، وتديره حكومة تبذل كثيراً لراحة وأمن الحاج؛ ومقابل هذا البذل يجب احترام تلك الأنظمة التي تفرضها الدولة، والتي تريح الحاج وتخدم أمنه في بلد المستضيف.
التاسعة: كنت اقترحت على أحد المسؤولين أن تعرض الخطوط السعودية وغيرها من الناقلين وكذلك أصحاب السفن والباصات أفلاماً وثائقية عن الحج، وها أنذا أعيد صياغة الاقتراح، فتكون تلك الأفلام منتقاة بعناية، ومسجلة بلغة كل بلد تنقل حجاجه، تعرض فيها الصيغة المبسطة للحج، وتعرض فيها أبرز أخطاء الحاج، وخلال رحلة قد لا تستغرق ساعتين - ومع حساسية الموقف وهيبته - يمكن أن يتعلم الحاج كثيراً، خاصة أنه في لحظات وصوله بالطائرة أو غيرها إلى البلد، وهي فرصة قد تكون آخر درس نظري مما قد لا تسنح به فرصة بعدها.
العاشرة: بينما أرى الدولة تبذل الغالي والنفيس في خدمة الحاج، أرى أن الخدمة العلمية للحاج لا تعادل خيرية هذا البلد المعطاء، فبينما توزع الملايين من المصاحف على الحجاج لا يوزع إلا النزر اليسير من الكتب العلمية التي تشرح الاعتقاد الصحيح، والفقه الميسر، وأحاديث الأحكام، وأخص الموجهة لعامة المسلمين بلغاتهم على اختلافهم، فهي - والله - فرصة أن يزور هذا البلد أكثر من مليون حاج، ولو أرسلت وزارة الشؤون الإسلامية جميع دعاتها وعشرات أضعافهم، ما استطاعوا الوصول إلى معشار هذا العدد من المسلمين الذين أتوا راغبين وراهبين، متهيئين لتقبل العلم والخير من هذا البلد الأمين. وفي نظري لو اضطلعت مكاتب الدعوة التعاونية بهذا الخير - بتسهيل من الوزارة - لنفعت ونشرت خيراً كثيراً.
الحادية عشرة: بقي أن أسرد ما أرى مناسبة إزالته بالتوعية والإرشاد إلى جانب منعه نظاماً لأجل أن ينتفع الحجاج من هذه البلاد المباركة علمياً وعملياً، وهذه الأمور هي: السعي تطوعاً مثل الطواف، فليس بمأمور به ولا مشروع، وانظر أوقات العُمَر من يسعى وعليه ثوبه وسترى عجباً. وأذكر أن أحد كبار السن كلمته فقال: كل شيء بأجره!! وكذلك التمسح بالمقام، والسير قواطر مزدحمة ودفع الناس بشدة من خلال التجمع بهذه الطريقة السيئة، والوقوف بمحاذاة الحجر الأسود طويلاً، وهزهزة الكتفين في طواف القدوم ظناً أن هذا هو الرمل المأمور به، والبحث عمن يدعو له من أصحاب الكتب المشبوهة وكأن الدعاء لا يصح إلا بوسيط من مرتزقة الكتب الصغيرة الذين يعبثون بمناسك المسلمين ويوهمون بأن هذا هو السنة، ومن أولئك من لا يعرف كيف يعتمر هو فكيف يعلم غيره؟ ومنهم نشَرة الموضوعات والضعاف. وكذلك التمسح أو التكبير إلى الركنين الآخرين للكعبة الشريفة، والسير عكس الطواف قصد باب أو جهة مما قد يسبب كارثة زمن الازدحام، ومنها تعداد العُمَر في شهر واحد أو أسبوع واحد قصد توزيع أجرها على الأقارب أو الوالدين، ومنها التبرك بأحجار المسعى الصفا والمروة، ولو رأيتهم كيف يصفون فوق ما تبقى من المروة لم يرخم لتعجبت وعلمت أن البدعة تسري في الناس بسرعة خاصة من يتعلق بالأحجار ويترك الآثار!
ومنها الأغاني الصاخبة في أجهزة الاتصال، وقد تنغم والإمام يقرأ آيات العذاب والنعيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (30) سورة الحج.
ومن الأخطاء الصعود إلى أقصى ارتفاع في الصفا طلب البركة، والصلاة من وراء الصفوف منفردين ولو خلف دورات مياه الحرم حتى يكونوا أول من ينصرف من الصلاة.
والتدخين التدخين!! بلاء طامّ، وفتنة عظيمة وأذى للناس، ويا الله.. العجب كيف يمتنع من يصوم عن التدخين شهراً كاملاً ولا يمتنع أياماً معدودات تعظيماً لحرمات الله وشعائره؛ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} (158) سورة البقرة.
ومنها لباس النساء، في الحج والعمرة، لا بد فيه من التوجيه الكريم لهن، بالحشمة وعدم مزاحمة الرجال، واللباس الساتر الضافي على البدن المخفي لزينتها الجامع لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (31) سورة النور، وبالجملة فالناس - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض؛ ولهذا كان المبتدئ بالخير وبالشر له مثل مَن تبعه من الأجر والوزر.
بقي أن أوجه عتاباً للذين يلومون فقهاء البلد بتضييق الفتوى على الناس، وأخص منها بالمثال الرمي قبل الزوال؛ فأقول: إن العلم دين، وغير خاضع لرغبات الناس وأهوائهم؛ فمن تبدى له من الحق شيء فلا يجوز له أن يغيره لأجل التوسعة على الناس، أو مسايرة لخواطرهم، خاصة أن الأمر متعلق بالعجل في الخروج من منى فحسب، لا بمنسك ضاق الخناق فيه واستغلق الأمر فلا مناص من الأخذ بحال الضرورة، فالحل أن يلزم أصحاب الحملات بالرمي حسب جدول زمني منسق يمنع الازدحام والتقاتل، علماً بأن فقهاء البلد - وفقهم الله - لم يمنعوا من سؤال غيرهم، والغالب أن كل مجموعة حجاج معها موجه أو مرشد من بني جنسها ومن مذهبها، فليفت كل بما بلغه من علم، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (قد أحسن من انتهى إلى ما سمع).
وأخيراً.. أهمس في أذن كل مسؤول في الحج - كبر أو صغير - بأنه على خير عظيم بتشرفه بخدمة حجاج بيت الله الحرام، فليستشعر هذه الخيرية، وليتق الله فيها؛ فإن قريشاً كانت تنازع على خدمة الحجاج سقاية ووفادة وغيرها تشرفاً بها، وأقول له: لا تألُ جهداً في البذل والعطاء، ولا تألُ جهداً ولو ببذل نصيحة أو توجيه صادق أو مساعدة بما تطيق أو حتى بابتسامة صادقة فإنها صدقة، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً.

(*) قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - جامعة القصيم



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved