| |
دراسة شرعية عن (الدعوة إلى المضامين الحميدة في الحج) تؤكِّد: الحجيج أكثر تقبلاً للدعوة الصحيحة في البقاع المقدسة.. وعلى الدعاة استغلال موسم الخير
|
|
* الرياض - (الجزيرة): أكَّد الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بالرياض على ضرورة أن يستغل الدعاة وطلبة العلم، والمشايخ موسم الحج في الدعوة إلى الله، وتوضيح العقيدة الصحيحة للحجيج الذين جاءوا من شتى أنحاء العالم، ليشهدوا منافع لهم، وهم في حالة تقبّل للدعوة، ومتفرغين لا تشغلهم أمور الحياة أو غيرها عن التزوّد بالعلم الشرعي ومعرفة حقائق الدين، كما أن على الدعاة استغلال وجود الحجيج في الأماكن المقدسة، وموسم الخير - الحج - لأن الناس يكونون أكثر تقبلاً لدعوة الحق، إضافة إلى حاجتنا إلى مضاعفة الجهود الدعوية خلال هذا الموسم وحشد كافة إمكاناتنا الدعوية للتعريف بالإسلام ومبادئه الصحيحة. جاء ذلك في الدراسة التي أعدها الدكتور محمد الرومي عن (الدعوة إلى المضامين الحميدة في الحج)، وقد تناول فيها سمات الداعية، وحددها في اثنتي عشرة سمة هي: عمق الإيمان بالفكرة، والبصيرة، والقدوة الحسنة، ومراعاة مقتضى الحال، والرفق واللين، والتدرج في الدعوة، مع اختيار الأوقات المناسبة، وحسن العلاقة بين الدعاة، والإخلاص، والمشورة والحوار، والرأي، وكذا التدريب، مع التعاون والتنسيق، واتباع الحق. وقد بدأ الدكتور الرومي دراسته بالحديث عن أهمية الدعوة إلى الله في الحج.. مشيراً إلى أنها فرصة دعوية قد لا تتوافر في كل الظروف وقتاً ومكاناً مثل توافرها في موسم الحج والعمرة، فهي من أهم العوامل المساندة لنشر الدعوة وانطلاقتها، إلى جانب كونها أوقاتاً فاضلة وأماكن مقدسة، فهي مهيأة للدعاة لأداء مهماتهم الدعوية، حيث يجدون أكبر التجمعات الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، وقلوبهم مفعمة بالحب والولاء لله ورسوله وللجماعة المسلمة، وبالبراء من أعداء الله ورسوله، فقلوبهم إلى ربهم موجهة، ولقبول ما يلقى إليها مهيأة، وعسى أن يكون ما يلقى إليها خالصاً وصواباً، فالخالص ما كان لله، والصواب ما كان بأمر الله سبحانه. صفات الداعية ثم يتطرق الباحث الرومي للحديث عن صفات الداعية في الحج، فبالإضافة إلى علمه، وخلقه، واقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم في النهج الدعوي، حدّد عدة صفات للداعية في الحج هي: أولاً: عمق الإيمان بالدعوة: يجب على الداعية إلى الله أن يعمّق إيمانه بالله عزَّ وجلَّ وبدعوته وبرسالته حتى يؤدي دوره في بناء المجتمع الإسلامي بهمة ونشاط وعزيمة مبتغياً في ذلك وجه الله. ثانياً: البصيرة: فالداعي لشيء لا بد أن يكون عارفاً بكل جوانبه وأبعاده قدر الإمكان قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. ثالثاً: القدوة الحسنة: فالناس يتأثرون بالقدوة الحسنة أكثر من تأثرهم بالبيان البليغ أو الخطاب الفصيح، فقد تكون القدوة الحسنة في حد ذاتها دعوة، فكلما كان سلوك الداعية قويماً مستقيماً كان تأثيره على النفس أكثر إيجابية. رابعاً: مراعاة مقتضى الحال: فلكل مقام مقال؛ فعلى الداعية أن يتعرَّف على نوعية المخاطبين ومشكلاتهم وقضاياهم وأن يعالج كل قضية في دعوته بما يلائمها، وبذلك يجد الداعية في خطابه مدخلاً إلى نفوس المخاطبين. فعلى الداعية مراعاة أسلوبه في الدعوة فلكل قوم ما يناسبهم من الأساليب المؤثِّرة فيهم، والناس يتفاوتون فمنهم المثقف المتعلِّم الذي يتأثر بالحجة والبرهان، ومنهم المجادل الذي يحمله الجدل على المكابرة، ومنهم العامي الذي تكفيه الموعظة التي تخاطب عاطفته، ولا يخاطبهم بأسلوب أعلى من مستواهم، ولا يأتي إلى قوم عرفوا بالجدل ولا يسلك معهم الحجة المنطقية، وهذه هي الحكمة المطلوبة في مجال الدعوة، والله عزَّ وجلَّ يقول: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. خامساً: الرفق واللين: فالنفوس تأسرها الكلمة الطيبة وتملكها العبارة الحسنة، وتستجيب النفوس للخطاب الليّن، فهذا شأن رسل الله في دعوتهم، فقد جاءت آيات الدعوة على ألسنة الرسل بصيغة العرض والتذكير بالأخوة. سادساً: التدرح في الدعوة: أعني بالتدرج الوصول إلى الأهداف مرحلة مرحلة ودرجة درجة، وهو سنّة من سنن الله الكونية، فمطلوب من الداعية أن يتدرج بالناس فلا يحملهم على الأخذ بالإسلام في كل جانب من جوانبه مرة واحدة، وإنما يتدرج بهم كما هو الحال في تاريخ الدعوة الإسلامية. سابعاً: اختيار الأوقات المناسبة للدعوة، فمن مظان قبول الدعوة وتأثيرها في قلوب الناس مراعاة الأوقات، والمقصود بها تخيير الوقت الملائم للدعوة من حيث فراغ المدعوين واستعدادهم للتلقي، وكذلك المراعاة لأوقات المواعظ والدروس، ومناسبة طول وقتها لأحوال المدعوين، ويتدرج تحت ذلك مراعاة استعداد المدعو وبلوغه المرحلة التي يكون فيها الوقت مناسباً لتفاعله واستجابته. ولا شك أن هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والضابط في ذلك الحاجة مع مراعاة وجود النشاط. ومن ثم فإن أمر المراعاة مهم جداً في مجال الدعوة، وأنه متشعّب حسب أحوال الناس والزمان والمكان، وأن المراعاة نوع من أنواع التدرج، لأن المراعاة كثيراً ما تقتضي ترك أمر لعدم ملاءمته إما للطبع، أو الفهم، أو الحال، أو غير ذلك، والاستعاضة عنه بغيره حتى يكون ممهداً لمعرض الأمر المتروك فيأتي في وقته المناسب. ثامناً: حسن العلاقة بين الدعاة: فلا بد من التعاون بين الدعاة، فلا تجريح ولا سباب، ولا طعن في النوايا، وأن تكون العلاقة قائمة على الحب والاحترام والتقدير المتبادل في القول والعمل. تاسعاً: الإخلاص: هي صفة لكل داعية فلا يجعل دعوته حرفة يتكسَّب بها الأموال ولا ذريعة للتقرّب إلى غير الله ولا سلماً للوصول إلى الجاه والسلطة، بل يبتغي وجه الله. عاشراً: المشورة والحوار والرأي: فقد يُصادف الداعية جماعة فيهم نوع من الغلظة أو الجفاف، أو التردد في قبول الدعوة لظروف ما، ففي هذه الحالة يجب على الداعية أن يغيِر أسلوب دعوته من الإلقاء والشرح إلى أسلوب المشورة والرأي لكي يعطي المدعوين فرصة التفكر والمشاركة في الرأي، ويعني هذا التنزل معهم في المخاطبة، ويُسمى عند أهل المعاني المظاهرة في الاحتجاج وإيهامهم حق المشاركة في الحوار. أسرار الحج ويقول الدكتور الرومي: إن في شريعة الإسلام وأحكامها الغراء المصالح الشريفة والحِكم العظيمة، وقد يظهر لأهل العلم شيء من أسرار الحج وذكرهم لهذه الحكم من العبادات إنما هو حث على أدائها طاعة لله عزَّ وجلَّ بفعلها والتزوّد منها، وهناك من الحِكم والأسرار في شرعيتها الشيء الكثير الذي لا نعلمه {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}. ومن العبادات التي تكلم أهل العلم في حِكمة مشروعيتها وبيان أسرار فرضيتها (الحج وشعائره)، فلقد جمع الحج بمناسكه عبادتين عظيمتين، مادية بالبذل والنفقة، وبدنية بالقيام بشعائره وأداء مناسكه كما حج النبي صلى الله عليه وسلم القائل: (لتأخذوا مناسككم)، ولذلك كان الصالحون من عباد الله يتحسرون على فوات الحج وعدم تمكّنهم منه، على أن المتخلّف لعذر شريك السائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك: (إن أقواماً في المدينة خلفنا ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر). والعبرة ليست بكثرة العمل، إنما العبرة بقبوله مع إخلاص النيَّة وسلامة القلب وطهارته من كل ما يشوبه، وقوة التعلّق بالله، خشية منه ومحبة وإجلالاً وتعظيماً له، ورغبة فيما عنده وزهداً في الدنيا وما عند الناس. فعلى المسلم المبادرة إلى الطاعة والتزوّد من نوافل القربات والمسارعة في ميادين الصالحات وسؤال الله القبول بعد هذا كله، كما هي دعوة الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل - عليهما السلام - بعد أن عملا أفضل الأعمال وأشرفها، حيث رفعا الكعبة وبنياها. أثر الحج في النفوس ويتناول الدكتور محمد الرومي عظم الحج وأثره في النفوس فيقول: لقد جاء النداء القرآني: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، ليؤكِّد الأثر الكبير لهذا النداء، فوفود الرحمن تتوافد من كل فج، على الأقدام وركباناً على ما سخر الله لهم، وما فتئت النفوس المؤمنة تتطلع إلى رؤية هذا البيت والطواف حوله والصلاة في جنباته، وفي ذلك من الأنس والراحة والنعيم ما تعجز العبارة عن وصفه، ولعل هذا من أسرار عظمة الحج وأثره في النفوس، ولقد أبان ذلك الماوردي بقوله: (ثم فرض الحج، فكان آخر فرض فرضه الله تعالى، لأنه يجمع عملاً على بدن وحقاً في مال، فجعل الله فرضه بعد استقرار فروض الأبدان وفروض الأموال، ليكون استئناسهم بكل واحد من النوعين ذريعة إلى تسهيل ما جمع بين النوعين). فكان في إيجابه تذكير ليوم الحشر بمفارقة المال والأهل، وخضوع العزيز والذليل في الوقوف بين يديه واجتماع المطيع والعاصي في الرهبة منه والرغبة إليه، وإقلاع أهل المعاصي عما اجترحوه، وندم المذنبين على ما أسلفوه، فقل من حج إلا وأحدث له الحج توبة من ذنب وإقلاعاً من معصية. إن أسرار الحج وحِكمه لا يحس بها ولا يعرفها حق المعرفة إلا من أدى حجه على الوجه الأكمل، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، قال أهل العلم: الحج المبرور هو الذي قام به صاحبه متحرياً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم مع الإخلاص لله عزَّ وجلَّ وعن جابر رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الحج المبرور؟ قال: (إطعام الطعام وطيب الكلام وإفشاء السلام). فمعاني الحج وأهدافه السامية إنما تتحقق بالحج المبرور أي المقبول الذي لا يخالطه شيء من الإثم وذلك هو الحج الذي وفق صاحبه لاتباع السنة، واقتفاء الأثر مع الحذر مما يخدش حجه أو ينقص من أجره، من قول أو فعل مخالف، صغر أو كبر، كما أن في كل واحد من أعمال الحج ومناسكه تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر إذا انفتح بابها انكشف من أسرارها ما يقتضيه صفاء قلبه وغزارة فهمه وقد شرَّف الله البيت العتيق، حيث نصبه مقصداً لعباده وجعل ما حواليه حرماً لبيته تفخيماً لأمره، وأكَّد حرمة الموضع بتحريم صيده وشجره وفي الإحرام والتلبية إجابة لنداء الله عزَّ وجلَّ، وفي دخول مكة تذكر الانتهاء إلى حرم الله، فليخش أن لا يكون أهلاً للقرب من حرم الله، وليرج الرحمة في جميع الأوقات، فالكرم عميم والرب رحيم، وشرف البيت عظيم، وحق الزائر المخلص لا يضيع. وفي مشاهدة البيت إحضار عظمة البيت في القلب، وكأنه مشاهد لرب البيت لشدة تعظيمه إياه، وفي وقوع البصر على البيت تذكير للمؤمن بأن يدعو ربه أن يرزقه النظر إلى وجهه الكريم كما رزقه النظر إلى بيته العظيم. وفي الطواف تشبّه بالملائكة المقرّبين الحافين حول العرش الطائفين حوله، وليس القصد مجرد طواف جسمك بالبيت، بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت لأن الطواف الشريف هو طواف قلبك بحضرة خالقك بأن تحضر ما في قلبك من تعظيمه وخوفه ورجائه ومحبته. يوم عرفة ثم ينتقل د. الرومي إلى بيان فضل يوم عرفة والدعوة إلى الله في هذا اليوم فيقول: إنه من الأيام الفاضلة عند الله عزَّ وجلَّ يوم عرفة فهو يوم أهل الموقف، حيث يقف الحجاج فيه على صعيد عرفات، يقول صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، وفضائل هذا اليوم العظيم كثيرة: منها: أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على هذه الأمة فلا يحتاجون إلى دين غيره ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأديان وأفضلها، لا يقبل من أحد دين سواه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، قال عمر، قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة). ومن فضائل يوم عرفة أنه يوم عيد لأهل الإسلام، كما قال ذلك عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، حيث قال ابن عباس: (نزلت في يوم عيد في يوم جمعة، ويوم عرفة)، وقال عمر: (كلاهما بحمد الله لنا عيد) وهو عيد لأهل الموقف خاصة ويشرع صيامه لغيرهم كما سيأتي: ومن فضائله أنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من الناس من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء). فمن طمع في العتق من النار ورجا مغفرة ذنوبه، وإقالة عثراته، والتجاوز عن سيئاته في يوم عرفة، فليحرص على الإتيان بالأسباب التي يرجى بها بعد فضل الله ورحمته - العتق من النار. ومن أعظم الأسباب صيام ذلك اليوم لغير الحاج، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده)، أما الحجاج فالسنة في حقهم الفطر كما هو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. ومن أسباب العتق من النار أيضاً، الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق ودعاء المولى سبحانه بها، فإنها الأصل في الإسلام الذي أكمله الله في ذلك اليوم، والدعاء فيه له مزية على غيره، فقد روى الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، ومن أسباب العتق من النار الصدقة والإنفاق في سبيل الله، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيِّبة) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر وفعل المعروف يقي مصارع السوء). إن هذه الأمور تكون سبباً للعتق من النار مع الإقلاع عن الذنوب والحذر منها والتوبة الصادقة منها وحفظ الجوارح عن المحرمات، ففي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (يوم عرفة، هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له). إن سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان كانوا حريصين أشد الحرص على استغلال هذا اليوم العظيم - يوم عرفة - والإفادة منه والمحروم من حُرم فضل الله وجوده، والشقي من تمر عليه هذه الأزمان الفاضلة والأوقات الشريفة دون استغلال لها، أو إفادة منها فكانت أقوالهم - رحمهم الله - حاثة على شغل هذا اليوم بما هو جدير به من الأعمال الصالحة، وكانت أحوالهم وأفعالهم تطبيقاً لذلك. فإذا كان خير قرون الأمة اتباعاً وأخلصها نيَّة وأزكاها نفقة وأحسنها يقيناً وأرجاها من الله رحمة، إذا كانوا بهذه الحالة وتلك الصفة من الخشية والرغبة والجد والاجتهاد في الأدعية والأعمال الصالحة في هذا الموقف العظيم فما حالك أيها العبد الضعيف؟ ابذل جهدك واغتنم وجودك بهذا الموقف العظيم، فقد لا تجد فرصة للعودة، ويقال: حج مسروق فما بات ليلة إلا ساجداً، فقد بان لك أن مواسم الحج مواسم الخيرات ومظان التجارات، ومتى غفل التاجر عن المواسم لم يربح، ومتى غفل القاصد عن فضائل الأوقات لم ينجح. العيد والتشريق ويتعرض الباحث محمد الرومي إلى الدعوة إلى الله في أيام العيد وأيام التشريق فيقول: جعل الله عزَّ وجلَّ لهذه الأمة عيدين يأتيان في كل عام مرة هما عيد الفطر، وعيد الأضحى. لقد أبدل الله هذه الأمة بما كان عند الجاهلية يومي الفطر والأضحى للذكر والشكر والمغفرة، والفرح بإتمام الطاعة وإكمالها، الصيام والحج، عن أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: (كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما يومين خيراً منهما، يوم الفطر ويوم النحر). إن العيد موسم الفرح والسرور، وفرح المؤمنين الخلّص وسرورهم في الدنيا، إنما هو برضا مولاهم عنهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم، ونالوا فضله ومغفرته، كما قال تعالى:{ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }. ويأتي بعد يوم العيد أيام التشريق، روى مسلم في صحيحه عن نبيشة الهذلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيام التشريق أيام أكل وشرب)، وهذه الأيام هي الأيام المعدودات التي قال الله عزَّ وجلَّ فيها: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وأفضلها أولها وهو يوم النحر لأن الحجاج في منى يستقرون فيه ولا ينفرون، ففي حديث عبد الله بن قرط السابق: (إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم الفطر)، وذكر الله عزَّ وجلَّ المأمور به في أيام التشريق أنواع متعددة: منها: ذكره عزَّ وجلَّ عقب الصلوات المكتوبات، بالتكبير في إدبارها، وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق، وهو التكبير المقيّد، مروي عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم، ومنها: ذكره جلّ وعلا بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك، فإن وقت ذبح الهدي والأضاحي يمتد إلى آخر أيام التشريق، ومنها ذكره بالتكبير عند رمي الجمار في أيام التشريق، وهذا خاص بالحجاج، إلى غير ذلك. ومما ينبغي في هذه الأيام، وبخاصة في آخرها، الاستغفار والدعاء، وقد استحب كثير من السلف - رحمهم الله - الدعاء بقوله سبحانه: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
|
|
|
| |
|