| |
مركاز علي العفيصان حسين علي حسين
|
|
عندما قدمت إلى الرياض، كان في ذهني عدة أشخاص، اعتبرت أفكارهم كبيرة، ممن يكتبون في مجلة اليمامة آنذاك رغم أن المجلة كانت بمقاييس هذا الوقت بائسة، تضم متفرغاً واحداً، أما البقية فقد كانوا يتقاطرون إلى المقر الخشبي ذي السلالم الحديدية أو الخشبية، اعتبارا من بعد صلاة المغرب، فلا عمل في الصباح، تلك حال صحافة الهواة، أما الرواتب فكانت تدفع كما تدفع الحسنات في أظرف مغلقة أو مفتوحة، هذا بالنسبة لي ولنفر من أمثالي، الذين يرفعون شعار الصحافة للصحافة! كنا فقراء وزاهدين، فقد قر في أذهاننا أن من يطلب المال عن مجهود فكري أو ثقافي هو شخص مادي! ولتعرفوا البؤس الذي كانت الصحافة ومن يعملون فيها يعيشونه، يكفيكم أن تعلموا أن ضيافتي كانت سندوتش مخ، وجلسة في المقهى، وقد تمت الجلسة بنجاح، فقد دفع صديقي الحساب، أما سندوتش المخ فقد وسدته إحدى الزوايا، بعد أن أخذت منه قضمة غير ناجحة، لأنني ببساطة لا آكل اللحوم فكيف بالمخ!! في اليوم التالي لوصولي الرياض، ركبت الباص من نهاية شارع الخزان حيث أسكن، إلى شارع البطحاء بأربعة قروش، ومن هناك سرت راجلاً حتى وصلت إلى حيث المطابع وفيها مقر جريدة الرياض ومجلة اليمامة ومجلة الدعوة، ومن ذلك المقر الخشبي البائس - بمقاييس هذه الأيام - تخرج ثلاث مطبوعات، إحداها يومية، ومنه تخرج أيضا العديد من المطبوعات، كان مجلة اليمامة تحتل غرفتين أو ثلاث، وفي إحداها وجدت (علي العفيصان) بقامته القصيرة الممتلئة وعينيه الواسعتين، وطلته التي لا تعرف إذا كانت شرسة أم طيبة أم!! وهي طلة تجدها لحسن الحظ عند الأغلبية الساحقة من الفنانين ذوي المزاج الحراق.. وكنت مثله هادئاً وقليل الكلام، لكنني للأسف أتحول إلى أرعن عندما أغضب أو أستثار، وهو ما أضاع عليّ العديد من الفرص والحقوق، لكن هل يملك الإنسان غضبه؟ هنا مربط الفرس أو الحمار!! كان علي منكباً على ورق أبيض، ومعه مسطرة وقلم رصاص، يسطر ويمحو، ويضع إطارات لصورة، وبين هذا وذاك كان يرحب بي، وكأنه يواسيني، على ماذا؟ الله وحده أعلم، لكنني خرجت من تلك المقابلة محبطاً، فقد كنت أعتقد أنني سأجد رجلاً طاعناً في السن، في يده غليون أو سيجار، ولا يتحدث إلا عن ديكارت وسارتر والبير كاموا، الذين كانوا أحبابي في ذلك الوقت، لكنني لم أجد شيئاً من ذلك، وجدت شخصاً مثلي فقيراً ومعدماً، يسكن في شارع الغنم، وفي بيت شعبي، ينسف السجائر، ويتأفف من قصر ذات اليد، ولديه أحلام كثيرة، لكن لا هو ولا الواقع قادران على توفيرها له.. وبعد ذلك اكتشفت أن علي العفيصان يتميز بحياء عجيب، للحد الذي يستحي فيه من الذهاب للعمل في اليوم التالي، إذا غاب في اليوم السابق له، حتى تكرر أيام الغياب، ويخلو الجيب من النقود، حينذاك لا يعود إلى المكاتب الخشبية إلا ومعه جاهيته تتوسط له، للعودة إلى العمل! وربما استمر على هذه الحال بعد ذلك، وكان أبرز من يتشفع له عمنا محمد حسين زيدان رحمه الله، كان يأتي إلى جريدة الرياض بعد نقلتها الكبرى من المرقب إلى طريق خريص وفي يده الأولى عكازه وفي اليد الثانية (علي العفيصان). وحالما يدخل إلى مكاتب الجريدة ينادي على رئيسنا آنذاك تركي السديري قائلاً: هذا ولدنا علي خليه يرجع الشغل! يقول ذلك، في الوقت الذي يكون قد أصدر أمره لعلي بأن يذهب لعمله، فهو مدرك أن تركي السديري لن يرد جاهيته، ولا أدري بعد وفاة الزيدان، بمن كان يستعين علي العفيصان.. فقد تركت الصحافة وإن كانت علاقتي بأهلها ما زالت باقية! لقد كان (علي العفيصان) نقياً ومسالماً عكس مظهره أو صورته، فلم أعرف أنه أساء إلى أحد أو اغتاب أحداً، لكنه في المقابل لم يتقن لعبة الحياة، ولم يسع إلى تطوير مهاراته، وهي خصلة لا تجدها إلا في الزهاد، الذين لا يهمهم من هذه الحياة سوى تأمين اللقمة وتأمين السقف الذي ينامون تحته، دون قلق أو خوف من الغد، ومع ذلك، وعلى تواضع هذه المطالب أو الأمنيات، فإنني لا أعتقد أن (علي) كان قادراً على تأمينها.. رحمه الله، كان فقيراً في زمن غلب فيه الزيف!!
فاكس 2054137
|
|
|
| |
|