| |
أصدقاء أم خصوم جورج واشنطن (و) جورج بوش ندى الفايز
|
|
جرت العادة أن ترمز العاصمة الأمريكية واشنطن للسلطة والنفوذ بسبب وجود البيت الأبيض الواقع بشارع بنسلفانيا، وكذلك الكونجرس الذي يسمى بالكابتل هيل أيضاً، أما مدينة نيويورك فتعد رمزاً للثراء والورق الأخضر، والمقصود به طبعاً الدولارات وذلك بسبب وجود البورصة الأمريكية في شارع الوال ستريت، وأما ولاية تكساس، فتشير عادة إلى الذهب الأسود والمقصود به البترول وما يتبعه من صناعات عملاقة، وأما مدينة لوس أنجلس فترمز دائماً للشهرة والأناقة، وتنفرد مدينة بوسطن بولاية ماساشوستس برمزية الثقافة والفكر، الأمر الذي يرجعه بعضهم لوجود أقوى الجامعات بالعالم بها مثل جامعة هارفرد وجامعة بوسطن وجامعة MIT للعلوم والتقنية، لكن المتفحص بتاريخ الولاية يدرك أن الدلالة والرمزية الثقافية والفكرية أبعد من تاريخ تلك الجامعات العريقة بكثير. ومع أن شهرة ماساشوستس تبدأ منذ قصة وصول سفينة مايفلاور إليها بعد أن انطلقت من بريطانيا، فإن المفاجأة تكمن فيمن حملتهم تلك السفينة، خصوصاً أن ركابها أصبح معظم أحفادهم إما رؤساء للولايات المتحدة أو أعضاء بارزين بالكونجرس الذي يقصد به طبعاً مجلس الشيوخ الأمريكي، وغيرهم من النخب الفكرية والسياسية، والقصة تبدأ بالتحديد عندما انطلقت سفينة مايوفلور Mayflower أي زهرة مايو حاملة وبداخلها 102 شخص، ومن بينهم رجال ونساء و34 طفلاً. فقد أقلعت السفينة يوم 11 نوفمبر 1620م، من شاطئ بليموث في بريطانيا، وكان من المفترض أن تصل إلى ولاية فرجينيا التي كانت بها مستعمرة جيمس تاون، لكن القدر جعلهم يصلون إلى الشاطئ الخاطئ، حيث رست السفينة على شاطئ ولاية ماساشوستس الذي اتضح فيما بعد أنه يبعد ثمانمائة كيلومتر شمالاً من شاطئ فرجينيا، ومع ذلك نزل الركاب من السفينة وأطلقوا على الشاطئ اسم الشاطئ البريطاني بليموث نفسه الذي انطلقوا منه، كما أطلقوا على المنطقة اسم بريطانيا الجديدة، وما زلت حتى اليوم تحتفظ باسمها، وعندما قمت بزيارة تلك المنطقة القريبة من مدينة بوسطن أحسست بالفعل بأني في بريطانيا ولست بأمريكا، ابتداء من الطراز العمراني والمتاجر الصغيرة العتيقة، وكلها تذكر الزائر بالطابع البريطاني (لا) الأمريكي الذي يتسم بالمباني الشاهقة والمتاجر الضخمة، علماً أن عدداً من الشوارع والضواحي الشهيرة بمدينة بوسطن بولاية ماساشوستس تحمل كذلك أسماء بريطانية، حتى إن جامعة هارفرد العريقة سميت على اسم البريطاني جون هارفرد، كما أن الضاحية التي تقع بها سميت كامبردج على اسم الجامعة البريطانية التي تخرج فيها جون هارفرد، وأطلق على الشارع المحيط بجامعة هارفرد اسم كامبرج، وأغلب الشوارع والضواحي بمدينة بوسطن تحمل أسماء مدن بريطانية مثل ضاحية بريتون ونهر شارلي الذي كنت أستمتع بممارسة رياضة المشي والجري بمحاذاته في الصباح الباكر شريطة أن يتوقف انهمار سقوط الثلوج والأمطار. وعودة إلى السفينة ومن عليها من جديد، فقد أصبح يوم وصول هؤلاء المهاجرين الأوائل إلى شاطئ ولاية ماساشوستس فيما بعد أحد الأعياد الرسمية بالولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً أن سفينة مايفلاور حملت بداخلها مجموعة من المهاجرين الأوروبيين من أصول إنجليزية ينتمون إلى جماعة (البيوريتان) التي كونت أول تشكيل سياسي للدولة الأمريكية، وأصبح ركاب تلك السفينة لاحقاً من المؤسسين والرموز السياسية بالولايات المتحدة، ومن أبرز من كان بتلك السفينة جون هولاند John Howland الذي يعد جد الرئيس جورج بوش، وهنري سمسون جد باربارا زوجة الرئيس الأمريكي بوش الأب، وكذلك كلاً من جد الرئيس ريتشارد نيكسون وجد الرئيس جيرالد فورد وغيرهم... وقبل نزولهم من السفينة قاموا بعمل عقد قانوني يتضمن تنظيم الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ووقّع عليه واحد وأربعون رجلاً، واستثني النساء والأطفال من التوقيع، لكن عليهم جميعاً أن يعملوا بمقتضاه، وعرف فيما بعد بعقد مايفلاور الذي يعد بمثابة أول نص دستوري بالتاريخ الأمريكي على الإطلاق، حيث جاء في جزء منه: (إننا نضع مع الرب وفيما بيننا عهداً، نلتزم به والله شاهد علينا وسوف نسير جميعاً بالطريقة التي أوحاها لنا في كتابه المقدس). ورغم أن عقد مايفلاور يعد النص الدستوري الأول والمؤسس للولايات المتحدة الأمريكية على أساس ديني مسيحي بروتستانتي غير أنه تم إحداث تغيرات وتعديلات على النص الدستوري الأول حتى أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية دولة علمانية كما هي اليوم، ويمكن الرجوع إلى مقالة سابقة لي بعنوان: الدولة الأمريكية علمانية (أم) عقائدية التي نشرت بصحيفة الجزيرة في يوم السبت 20 شوال 1427هـ 11 نوفمبر 2006م وكذلك مقال: من يصنع السياسة الخارجية بواشنطن. وعودة إلى عقد مايفلاور الذي يلاحظ عليه عمق المدلولات الدينية خصوصاً أن بقية نصوص العقد تؤكد كذلك على تأسيس تجمع ديني بعيداً عن الانحرافات الموجودة في أوروبا، الأمر الذي يرجع لأن هؤلاء المهاجرين هربوا من أوروبا بعد نشوء صراع بين الكنيسة وبين الحكم الملكي البريطاني، وعليه قرروا الهرب من كامل القارة الأوروبية إلى مكان بعيد، والمقصود به عالم ما وراء البحار (القارة الأمريكية) وذلك بهدف تطبيق مذهبهم الديني وطريقتهم بالمعيشة بعيداً عن تسلط الطبقة الحاكمة في أوروبا، خصوصاً أن هؤلاء المهاجرين ينتمون إلى ما يعرف بالبروتستانتية التي نشأت كحركة تصحيح ديني للكنيسة البريطانية الأنجليكانية المسيحية. وعودة لمتابعة قصة نزول هؤلاء المهاجرين إلى ولاية ماساشوستس بعد توقيع عقد مايفلاور، وقبل أن يموت نصف من كان بتلك السفينة نتيجة تفشي الأمراض والأوبئة، فقد انتخبوا أول حاكم لهم، وهو جون كرفر الذي يعد جد الرئيس الأمريكي جورج بوش، وبناء على ذلك يعد آل بوش أنفسهم من أعرق العائلات المتحدة الأمريكية حتى من عائلة الرئيس الأمريكي الراحل جون كنيدي، وإن اختلفت مع من يقول بذلك من وجهة نظر شخصية في تلك النقطة. أما عن سكان ولاية ماساشوستس الأصليين، فلقد كانوا من الهنود الحمر الذين يعدون في تلك الفترة الوعاء السكاني للقارة الأمريكية قاطبة، كما عد الهنود الحمر وقتها هؤلاء المهاجرين التي حملت سفينة مايفلاور من الملائكة (لا) من البشر، وذلك لبياض بشرتهم وشعورهم الشقراء بالوقت الذي لم يرَ الهند الحمر غير من يشابههم من أصحاب البشرة الداكنة السوداء والشعور السوداء الخشنة، وقد عامل الهنود الحمر هؤلاء المهاجرين الأوائل معاملة فوق الحسنة، بل إنهم كانوا يقدسونهم ولا صحة إطلاقاً لما دوّن ببعض كتب التاريخ البريطاني أو حتى الأمريكي بأن الهنود الحمر قاموا بوضع بعض المهاجرين بقدور طهي كبيرة وإشعال النار تحتها والرقص من حولها تمهيداً لأكل هؤلاء المهاجرين، وبعد أن اطلعت على عدد من الكتب والوثائق بالمكتبات، ويمكن التأكيد على أن مثل تلك الأقوال غير صحيحة حتى وإن جاء في بعض كتب التاريخ السياسي الأمريكية أو البريطانية أو حتى قامت بعض الأفلام السينمائية بمحاولة تثبيت الفكرة، غير أنها تجانب الصواب وتزيف الحقائق التاريخية بهدف تبرير قيام القوات البريطانية وكذا الثوار الأمريكيين وبعض من المهاجرين المتأخرين وقتها بقتل جماعات الهنود الحمر وإبادتهم.. الذين كلما قرأت عنهم احترمت تاريخهم وحضاراتهم؛ لأن التدقيق بعين فاحصة (لا) ناقلة للمعلومة يكشف أنهم كانوا جماعات مسالمة وطيبة وليست شريرة وذلك حسب وجهة نظري بغض النظر عما كتب من قبل بعض المؤرخين البريطانيين والأمريكيين عنهم، وتشويه أفلام هوليود لتاريخ الهنود الحمر. وليس مبالغاً القول إن عيد الشكر Thanksgiving الذي ما زالت الولايات الأمريكية تحتفل فيه سنوياً كرمزية لنجاة المهاجرين الأوائل من الموت الذي جعله لاحقاً الرئيس الأمريكي أبرهام لنكلون عيداً وطنياً سنة 1863م، يرجع تاريخه في الأصل إلى عام 1621م عندما احتفل الهنود الحمر مع المهاجرين الأوائل بحصد محصول الذرة الأول والصلاة معهم، وشكر الله على محصول الذرة وعلى عدم موت بقية المهاجرين مثل غيرهم ممن كانوا معهم على متن سفينة مايفلاور، وللتأكيد على حسن سيرة الهنود الحمر وتاريخهم، فإن هؤلاء المهاجرين تعلموا سر زراعة الذرة من الهنود الحمر، والذرة هو نبات عشبي أصفر يحتوي على بروتين وزيت ومعادن أخرى مهمة للجسم، وقد أطلق المهاجرون عليه مسمى كورن بعد أن تعلموا سر زراعته من الهنود الحمر عبر وضع سماد من سمك الصابوغيات بالأرض، ومن ثم القيام بعملية زراعة الذرة فيه.. وهذه الطريقة التي تعد من أسرار زراعة الذرة بالولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن. لم يكن يعرف سرها في ذلك الوقت سوى الهنود الحمر، ولولا هم لمات بقية المهاجرين جوعاً، ولما عرفت الولايات المتحدة اليوم أن تزرع حبة ذرة واحدة في أراضي القارة الأمريكية التي نرجو أن يسعد اكتشافها هذا العالم (لا) أن يشقيه ذلك الاستكشاف الذي تم من قبل الرحالة كريستوف كولومبس الذي لا أدري هل ذريته اليوم تشعر بوخز الضمير نتيجة اكتشاف جدهم للقارة الأمريكية، وما يحصل من أحفاد بعض (لا) كل المهاجرين اتجاه العالم الخارجي وبالتحديد العالمين العربي والإسلامي!! وكان إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا قد تم في عام 1776م، بينما لا زالت جارتها دولة كندا بالقارة الأمريكية حتى الآن تتبع بريطانيا، ولم تعرف كندا إلى الآن منصب رئيس الحكومة، إذ يعد رئيس الوزراء الكندي أعلى منصب سياسي ويؤدي القسم أمام الملكة البريطانية إلى يومنا هذا. وبهذا السياق لا بد من التذكير بأن جورج واشنطن يعد أول رئيس للولايات الأمريكية المتحدة بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1776م، بعد أن قام جورج واشنطن بإحياء الثورة الأمريكية بعد تمكن القوات البريطانية ومجموعة من المرتزقة الألمان (المعروفين باسم الهسْيَن) من تصفية الثوار الأمريكيين في المعارك الأولى حول ولاية نيوجرسي، ونجح جورج واشنطن بعد سلسلة معارك قتالية وقعت بين جنود جورج واشنطن والقوات البريطانية ومنها معركة (مزرعة دريك)، ولعل السؤال الذي يبحث عن إجابة هنا في ظل الظروف العالمية الراهنة وازدواجية المعايير: هل كان جورج واشنطن الذي يعده الأمريكيون رمز النضال الأمريكي وأول رئيس دولة؟ هل كان إرهابياً عندما بدأ بتشكيل عصابات لقتال الإنجليز وإحياء ثورة الثوار الأمريكيين ضد بريطانيا العظمى آنذاك؟؟ خصوصاً أن جورج واشنطن اليوم بمعايير بابا الفاتيكان والرئيس جورج بوش لم يعد مناضلاً، وعليه لا بد من تفريغ الكتب الأمريكية من سيرته وحذف تلك الأحداث بالكامل من ذاكرة الأجيال ومن صفحات التاريخ، ولا سيما أنه قام بتنظيم جماعات الثوار الأمريكيين وخاض حرب عصابات طاحنة ضد القوات البريطانية، ومن ثم إعلان الاستقلال الأمريكي، لأن ذلك - وبحسب المقاييس والمعايير التي يؤمنون بها - يمكن أن يعد من روافد تذكية ثقافة الكراهية والقتل والإبادة سواء كان جورج واشنطن قد حصل على الاستقلال بحد السيف أو بطلقات البنادق والرصاص ضد الهنود الحمر أو القوات البريطانية التي كانت القارة الأمريكية بالكامل تحت نفوذها، وإن بقيت كندا إلى يومنا هذا تحت نفوذ بريطانيا. إن خريطة المحيط الأطلسي التي رسمها بيري محيي الدين رايس قائد البحرية العثمانية (1510 - 1515م) تصف شواطئ أمريكا بتفصيل دقيق، وكذلك الأنهار والمدن التي اكتشفها الأوروبيون فيما بعد ما بين 1540 - 1560م، كما ذكر أن تلك الخريطة تستند إلى تسعين خريطة رسمها من قبله البحارة المسلمون بالأندلس وبحارة المغرب العربي الذين قاموا بزيارة القارة الأمريكية، وبذات السياق ذكر المؤلف ليون فيرنيل الذي عمل أستاذاً بجامعة هارفرد وأصدر كتاب اسم (إفريقيا واكتشاف أمريكا). (Africa and the discovery of America) في عام 1920م ذكر فيه أن كريستوفر كولومبس الذي انطلق من إسبانيا (الأندلس) اعترف بأسبقية الرحلات الإسلامية العربية عن رحلته في اكتشاف القارة الأمريكية، وذكر كذلك أن الهنود الحمر كانوا يلبسون لباسًا قطنياً شديد الشبه باللباس العربي الذي كانت النساء الغرناطيات المسلمات يلبسنه بالأندلس، في الوقت الذي لم تكن حتى صناعة القطن قد ظهرت بالقارة الأمريكية، الأمر الذي يؤكد على الوجود الإسلامي حتى قبل اكتشاف كريستوفر كولومبس للولايات الأمريكية المتحدة، الأمر الذي اعترف فيه بنفسه، غير أنه استفاد من الخرائط التي رسمها البحارة المسلمون بالأندلس في رحلته تلك التي من غير المنطقي أو المعقول أن يركب المكتشف البرتغالي كولومبس عرض المحيطات دون سابق خبرة أو خريطة معه.. وأتمنى من كل قلبي أن يجتهد الباحثون والمهتمون العرب بذلك ويبدؤوا بعمل البحوث والدراسات من حيث انتهى المقال، خصوصاً أن هناك عدداً من المراجع الغربية التي أنصفت العرب والمسلمين في تلك الحقبة التاريخية، وتستدعي الاهتمام والجهد من العقول العربية النيرة القادرة على نفض الغبار عن نتائج عدد من الأبحاث التي أُهملت رغم قيمتها العلمية والحضارية للعرب.
nada@journalist.com |
|
|
| |
|