| |
طبع إسرائيل وتطبعها
|
|
تجهد إسرائيل للظهور بوجه سلمي، لكنها لا تملك إلا أن تستسلم لنزعتها العدوانية المتأصلة فيها، وهكذا فلم ينقض يومان على قمة عباس - أولمرت وما تبعها من وعود بالتهدئة وتخفيف القيود على الفلسطينيين، إلا وأعلنت إسرائيل عن إقامة مجمع استيطاني جديد في أراضي الضفة الغربية، وهي الأراضي التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقلة. تحركات السلام أو التهدئة لم تقتصر على قمة عباس أولمرت، بل هناك جهود أخرى تقوم بها كل من مصر والأردن، فضلاً عن تردد حديث عن مبادرة أمريكية جديدة تنص بين أمور أخرى على إقامة الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة، أما الإعلان الإسرائيلي فهو خاص بإنشاء تجمع استيطاني جديد بشمال غور الأردن، في الضفة، حيث تمت المصادقة على تشييد ثلاثين منزلاً في التجمع لإسكان عائلات مستوطنين تم إجلاؤها من مستوطنات (غوش قطيف) المخلاة في قطاع غزة. وفي كل مرة تتأكد أهمية التحرك نحو السلام، بل وتبرز استعدادات حقيقية وعملية باتجاهه، فإن إسرائيل لا تلبث أن تقوم بشيء ما لإحباط ما يجري، والأحرى أنها تريد سلاماً على طريقتها، أي سلام، مع الاحتفاظ بالأرض الفلسطينية، وسلام مع التوسع في الاستيطان، وسلام يتيح أن تكون لها اليد العليا في كل شأن فلسطيني، بل في كل شؤون المنطقة. ومع هذه الصدمات المتتابعة التي توجهها إسرائيل للجهود السلمية، فإنها تظل بمنأى عن أي ضغوط دولية لإقناعها بضرورة التخلي عن هكذا نهج يهدد حقيقة استقرار وسلام العالم، خصوصاً مع القناعة المنتشرة دولياً بأن أوضاع الشرق الأوسط وتعقيداتها المستمرة تلقي بتأثيراتها على كامل الشأن الدولي، ولطالما تحدث قادة وزعماء في الشرق والغرب حاثين على تحقيق التسوية في المنطقة من أجل أن ينعم العالم بقدر من الاستقرار ويعيد ترتيب أوراقه، بالطريقة التي تضمن التخفيف من حدة النزاعات. وإلى أن يحسم العالم أمره تجاه المعضلة الإسرائيلية، فستظل هذه الدولة تقدم نموذجاً حقيقياً للمدى البعيد الذي يمكن أن تتسبب فيه حالة الانفلات على صعيد المنطقة والعالم. فهناك عجز حقيقي على تحجيم الانفلات الإسرائيلي، وتقاعس عن وقفها عما تقوم به من تهديد وعبث بمصالح وسلام الآخرين، بل وحرمان شعب كامل من أرضه وحقوقه ودولته، وهي مع كل ذلك لا تجد حرجاً في التحدث عن السلام ووصم الآخرين بالإرهابيين، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها تمثل بطريقة مثلى إرهاب الدولة.. إن وضعاً غير طبيعي يتنامى ويعمل على ترسيخ مفاهيم جديدة في خارطة العلاقات الدولية، لعل أبرز ملامحه أن القوة هي التي تسود وتسيطر وأن على الآخرين التجاوب مع هكذا منطق.
|
|
|
| |
|