| |
بيكر هاميلتون دعوة لإستراتيجية جديدة في العراق والشرق الأوسط! عبدالإله بن سعود السعدون*
|
|
يتعدى وصف تقرير بيكر هاميلتون المفهوم العام لتقرير سياسي للأوضاع الأمريكية في العراق، بل هو في الحقيقة تحليل كامل للسياسة الأمريكية المنفذة خلال سني الاحتلال الأمريكي للعراق ومحاولة إيجاد شرق أوسط كبير جديد، وهدفه القريب محاولة رسم طريق جديد لإنقاذ الإدارة الأمريكية من مأزق المستنقع العسكري والسياسي الذي غاصت قواتها وسمعتها السياسية والإنسانية به نتيجة جهل الثنائي جارنر بريمر بالتاريخ السياسي للعراق، بل تعدى ذلك لمعاملة خاطئة لمكونات هذا الشعب الصابر، وتسليط فئة منه على الأخرى، مما أدى إلى وصولهم إلى غرضهم الأساسي بتمزيق أسس الدولة العراقية بالتحريض على الفتن الطائفية، وتشجيع الانفلات الأمني بمسلسل سياسي بدأ بإعلان تشكيل مجلس الحكم المقسم طائفياً وعرقياً، وأخيراً اللعبة السياسية وما نتج عنها من انتخابات فرزت اصطفافاً طائفياً أدى إلى ظهور عدد كبير من الميليشيات المسلحة التي تكاثرت كانتشار الفطر السام حتى بلغت أكثر من مئتي ميليشيا وعصابة مسلحة ملطخة أيدي أعضائها ومن ورائها الكتل السياسية بالدم العراقي البريء، ومشتركة في كل الأعمال الإجرامية واللا إنسانية من تهجير جماعي طائفي وسلب ونهب واختطاف ينتهي بالتعذيب والقتل، وتكون مطية طائعة للمستعمر الأجنبي في تخريب المؤسسات الحكومية العراقية التي لم يستثنَ منها إلا هدف الاحتلال (وزارة النفط) التي أمن لها المحتل حراسة مشددة للمحافظة على محتوياتها وتركوا الغوغاء والرعاع واللصوص تسرق الوزارات والمتاحف والمكتبات وتخريب المستشفيات والمدارس تحت أنظار جنود الاحتلال، وعلا ضحكهم وتعليقاتهم المقززة على انتشار العجزة والمسنين ونزلاء المستشفيات العقلية في شوارع بغداد الرشيد كمظهر حضاري وحي لإنسانية قوات الغازي كيسي وأبي زيد! إن الفقرات التسعة والسبعون التي اقترحها تقرير بيكر هاميلتون جاءت نتيجة لجهود كبيرة لفريق عمل سخر له معهد السلام الأمريكي كل طاقاته المالية والفنية، وقد شارك في هذا الجهد السياسي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالتعاون مع أساتذة متخصصين بمشكلات الشرق الأوسط بمعهد جيمس بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، ووضع أرشيف الدولة الأمريكية السياسي تحت اطلاع مجموعة الخبراء لدراسة ما يسمى بحملة العراق الديمقراطية! يخرج المحلل السياسي عن الحدود الضيقة للوضع العراقي ومأزق الإدارة الأمريكية في مستنقعه حين تحليله لخطة العمل المقدمة خلال فقرات هذا التقرير إلى استراتيجية جديدة تحاول الإدارة الأمريكية تطبيقها في الشرق الأوسط وإغراء ظاهر لدول الجوار العراقي للمشاركة في إيجاد حلول سريعة للوضع الملتهب على الساحة العراقية الذي قد يتحول بأي لحظة إلى فتنة الحرب الأهلية متعددة الأطراف، وتضيع معها كل أهداف الحملة الأمريكية لتحرير العراق كما يحلو للإدارة الأمريكية تسميتها لحد الآن! وعرض التقرير خطة طريق جديدة لحل النزاع العربي الإسرائيلي، وتعدى ذلك ليتناول ملف البرنامج النووي الإيراني ومسؤولية الدول الخمسة الدائمة في مجلس الأمن للوصول إلى حل سريع لهذا العناد الإيراني وتمرده على الاتفاق الدولي والدعوة إلى دبلوماسية نشطة تقودها الإدارة الأمريكية لتفعيل هذه المقترحات وتحويلها إلى حلول دائمة بمساعدة دول الجوار العراقي، وجهد خليجي مصري لدعم الدبلوماسية العالمية الأمريكية! إن الوضع المأساوي الذي يعيشه المواطنون صباح مساء من القلق والخوف وبرك من الدماء، ولفّت بغداد الجميلة بوشاح أسود من الحزن والكدر نتيجة هجمات مباغتة من أفواج الوحوش البشرية تخطف وتنهب وتقتل وترمي جثث ضحاياها على أرصفة الشوارع بمعدل خمسين جثة يومياً تحت نظر ومسمع ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية التي تدعو للمصالحة الوطنية، وتعدت مراحلها الثلاث دون أن يتوقف الطوفان الدموي. ومن العجب أن المشاركين في هذه المصالحة الوطنية هم أنفسهم أعضاء الكتل السياسية المشاركة باللعبة السياسية المذهبية ومؤسسو الميليشيات المذهبية الحاقدة على أطياف الشعب العراقي الرافض للاحتلال. إن المكونات الأساسية لدعوة المصالحة الوطنية يجب أن تمر بجسر هذه الدعوة بربط ضفتي نهر السلام اللتين يفصل بينهما نار السلاح؛ أحدهما موالٍ وصديق الاحتلال ويدعو لبقائها على أرض العراق، وأخرى تطلق شعار المقاومة المسلحة رافضة للوجود الأجنبي على التراب الوطني، وأذلت هذا الشعب الصابر وفرقت بتعذيب سجونها وثيقة حقوق الإنسان وكل المعاهدات الإنسانية، وكم أتمنى على الإدارة الأمريكية أن تكلف وزيرها المخضرم كيسنجر ليطلعهم على توصياته الجريئة التي أدرجها في معاهدة الصلح الأمريكية الفيتنامية بعد سقوط سايجون للوصول معها وبصورة شجاعة إلى وثيقة مصالحة مع كل الأطراف العراقية المعارضة والموالية للوجود الأمريكي على أرض العراق قبل فوات الأوان وسقوط المنطقة الخضراء المحصورة داخل بغداد وبطائرات إخلاء أمريكية! وقد تبدأ هذه الشجاعة السياسية للإدارة الأمريكية بإلغاء كل الإجراءات الخاطئة التي نفذها السفير بريمر، وعلى رأس الأولويات منها إعادة التشكيل العسكري للقوات المسلحة العراقية بكل أجنحتها الجوية والبرية والبحرية، وتعويض كل منتسبيها عن كل مخصصاتهم الضائعة نتيجة هذا القرار، وما تبعه من تمييز في حق الخدمة العامة بإصدار قانون (اجتثاث البعث) الذي تم استغلاله كسلاح طائفي لإبعاد عدد كبير من المواطنين العراقيين عن وظائفهم العامة ومطاردتهم حقوقياً نتيجة هذا القانون الذي زرع الفتيل الملتهب لكل مظاهر الانفلات الأمني على أرض العراق، ويشكل أعضاؤه خطوة جريئة لتثبيت حق المساواة بين كل مكونات الشعب العراقي في الحقوق والواجبات المدنية، ويحقق جواً من التآخي بين كل الكتل السياسية المؤتلفة تحت مظلة المشهد العراقي، وجاءت التوصية الثلاثون بهذا التقرير بقوة الزلزال على الزعماء الأكراد، ووضعت حداً لأطماعهم في ضم أغنى احتياطي بترولي في العراق تضمه محافظة كركوك التي أوصت المجموعة المعدة للتقرير بضرورة التحكيم الدولي لتجنب العنف العرقي والطائفي بين سكانها بإجراء استفتاء قبل نهاية 2007م، كما جاء في الدستور العراقي الحالي، ويمكن تأخيرها لإشعار آخر تقدره الحملة الدبلوماسية العالمية وبإشراف الأمم المتحدة، وهذا ما تخشاه القوى الكردية من تدويل هذه المحافظة، وبالتالي ضياع هذه الثروة الطبيعية المهمة لتحقيق أحلامهم الدائمة بتكوين دولة مستقلة كردية على الأراضي الشمالية من دولة العراق! وقد يؤثر إعلان العفو العام عن عناصر المقاومة الوطنية إيجابياً على تحقيق السلام الأهلي وتضييق الخناق على الإرهاب الدولي الذي جعل من بلاد الرافدين مسرحاً دامياً لصراعات إقليمية ودولية على حساب أمن الشعب العراقي واستقراره.. ورسمت خطوطاً من العداء بين الأديان نتيجة للتطرف الأعمى في مفهوم أركان الدين الإسلامي الحنيف وأهدافه؛ دين الوسطية والتسامح والسلام، وحولت هذه المبادئ السامية الفئات الضالة إلى صراع وقتل وتدمير، وأصبحت مطية رخيصة للإرهاب الدولي. ومن المصلحة الإقليمية محاربته وتجفيف مستنقعات تمويله. وقد أدركت الإدارة الأمريكية - وبنصيحة من الأكثرية الديمقراطية في الكونغرس الأمريكي - أن من المصلحة العليا لأمريكا أن تخرج من مأزق المستنقع الذي أغرقت فيه جيوشها وسمعتها الدولية، وللخروج من هذا الإحراج الإنساني الذي يهدد مصالحها في الشرق الأوسط، لذا اقترحت المجموعة الدبلوماسية الجديدة بخطط جديدة لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي على أسس القرارات الدولية 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام مع الالتزام بضمانات أمريكية وإقليمية لأمن إسرائيل، ولتحقيق كل هذا زرعت أمريكا مرتفعات الجولان بالجزرة الأمريكية تقدمها هدية الاتفاق على الاقتتال الكامل بقرار مجلس الأمن رقم 1701 الخاص بأمن وسيادة لبنان، و(الضغط الأخوي) على حماس وحزب الله لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وتراقب حدودها مع لبنان والعراق لضمان عدم تسرب أسلحة عن طريق أراضيها للمقاومة اللبنانية والعراقية، والسعي لإيجاد صيغة جديدة لاتفاق دولي للسلام بين العرب والإسرائيليين، ويتأتي ذلك بإعلان الحكومة الفلسطينية المؤلفة من أغلبية من فتح تعيد لإسرائيل ثقتها بالمفاوض الفلسطيني الذي يعترف بوجود إسرائيل وقانونية الاتفاقات معها. إن اقتراح تفكيك الائتلاف الشيعي الموحد في إخراج التيار الصدري المتطرف، والقضاء على ميليشيات جيش المهدي، ومعه حزب الدعوة بجناحيه العراقي والخارجي، وتكويشن كتلة جديدة تضم الأحزاب الكردية وجبهة الاتفاق وكتلة الحوار والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية.. وجاء هذا المخرج السياسي كتجربة تحرك أول لمحاولة تثبيت السلطة في العراق بيد أصدقاء الإدارة الأمريكية مع تهيئة الجيش العراقي بكفاءات عسكرية تم إعدادها في الأردن لتولي الإشراف العام على القوات العسكرية في وزارة الدفاع والتشكيلات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية لإنشاء قوات عسكرية واحدة بقيادتها العامة لإعطائها واجبات مرحلية فيما بعد وزارة التكتل السياسي الجديد! إن دعاءنا المستمر والتوجهات الوطنية الصادقة لقيادتنا المخلصة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين والحكومة السعودية الرشيدة بأن نعمل ونرى عراقاً موحداً مستقراً يتمسك بهويته العربية، وينعم شعبه بكل أطيافه المتعددة بالخير والرفاهية والاستقلال والسلام مدعوماً من أشقائه، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية سياسياً واقتصادياً يكل الطاقات الممكنة لضمان وحدته الوطنية واستقلاله.
* محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية
|
|
|
| |
|