| |
الأزمنة عبد الخالق حسونة: أمين عام الجامعة العربية عبد الله بن عبد العزيز بن إدريس
|
|
لم يخطر ببالي أن أرسل كتاباً يدور حول الشعر في نجد إلى أمين عام الجامعة العربية. وذلك لأن صاحب هذا المنصب الدولي مهموم بشئون أمته الممثلة في الجامعة ومشغول بقضاياها السياسية الدولية والمحلية. وليس الشعر، ولا الكلام عنه مما يدخل في اختصاصه. ولكن الأستاذ الفاضل أحمد المانع الملحق الثقافي السعودي بالقاهرة في ذلك الزمان.. ألح عليَّ بأن الرجل يهتم بالشعر كما يهتم بغيره من قضايا الثقافة العربية التي هي جزء من مسئوليات الجامعة.. وأرشدني إلى الشاعر المشهور محمد التهامي الذي يعمل في جامعة الدول العربية وأنه سيسهل لك الاتصال بأمين عام الجامعة الذي من (الضروري) أن تهدي إليه نسخة من الكتاب. دخلت مكتب الأستاذ محمد التهامي وسلمت عليه فقام: أهلاً أهلاً (فلان)؟ قلت كيف عرفتني وهذه أول مرة أراك وتراني فيها؟ قال: (الرجال الطيبون يوصون على أمثالهم.. وقد اتصل بي الأستاذ أحمد المانع، وهو الذي عرفني عليك قبل أن نلتقي).. كنت قد أخذت معي نسختين من الكتاب: إحداهما لأمين عام الجامعة. والأخرى للأستاذ التهامي.. (تفضل استريح عاوز تشرب أيه؟ قهوة والا شاي؟) قلت: أيهما الأقرب أو الأسرع.. حضَرَتْ القهوة التركية). وحضر الحديث وطال حول الأدب، والشعر بخاصة، في المملكة العربية السعودية عامة وفي نجد خاصة.. وسألته عن إمكانية السلام على الأمين العام معالي الأستاذ عبد الخالق حسونة.؟ فأخبرني أنه في (نيويورك) لحضور الجمعية العامة للأم المتحدة وقال أعطني نسخته وأنا ضامن لوصولها إليه سريعاً. فأعطيته النسخة.. وودعني عند باب الجامعة الخارجي.. وما كنت أعتقد أن شاعراً مصرياً كبيراً يمكن أن ينزل من مكتبه ليودع شاباً سعودياً لم يُعرف خارج نطاقه الوطني حينذاك. بعد أيام قليلة وصلني خطاب من الأستاذ عبد الخالق حسونة يقول فيه: (شكراً لك على هذا الجهد الرائع، ووالله لقد سامرت هذا الكتاب عدة ساعات ممتعة، وقررت تكليف إدارة المعهد العربي التابع للجامعة بشراء كمية منه وتقرير تدريسه مع الكتب المماثلة للطلاب العرب..). وبعد حوالي شهرين أتاني خطاب من إدارة معهد العالم العربي تطلب إرسال (50) خمسين نسخة من الكتاب مع فاتورة الاستحقاق، وحينها كان ما لديَّ من الكتاب قد نفد.. ولا يمكنني أن أجمع ما في المكتبات.. ولذلك طلبت من أحد أصدقائي في الملحقية بالقاهرة أن يذهب إلى المطابع التي طبعته ويطلب منها الحد الأدنى لما يمكن طباعته أو تصويره.. ثم تزويد المعهد بما طلب وإشعاري بتكاليف هذه الطبعة لتحويل تكلفتها له وأشعرت المعهد بأن النسخ هدية لا أطلب لها ثمناً). إلى هنا انتهت علاقتي بالجامعة ومعهدها.. أما الأستاذ محمد التهامي فقد استمرت العلاقة بيني وبينه.. وقد أقام لي حفلة في (منتزه الجزيرة) بالقاهرة، ودعا إليها (17) من رجال الأدب والإعلام.. أذكر منهم الآن الأساتذة الشعراء: فاروق شوشة، محمد إبراهيم أبو سنة، د.عبده بدوي - رحمه الله - طاهر أبوفاشا، وعبد المنعم خفاجي، وأحمد العزب؛ ومن السعوديين الأستاذ عبد الحميد مشخص.. وهناك آخرون غابت أسماؤهم عن ذاكرتي أثناء كتابة هذه (الذكريات). رابطة الأدب الحديث أهديت ثلاث نسخ من هذا الكتاب إلى ثلاثة من أعضاء هذه الرابطة.. الذين أعرفهم وهم يعرفونني: الدكتور عبد المنعم الخفاجي، الناقد المعروف عبد اللطيف السحرتي، والأستاذ عبد الله عبد الجبار الأديب السعودي المعروف.. الذي اعتذر إليَّ أثناء الاحتفال عن أسفه - كما قال - إنه لم يُهدِ إليَّ كتابه (التيارات الأدبية) الذي صدر قبل كتابي بفترة قصيرة - بدعوى أن الكتاب قد صودر من المكتبات المصرية.. وقال إنه لا يوجد لديه من الكتاب إلا نسخته الخاصة. وأنا أصدقه فيما قال، لأني بذلت الجهد المستطاع للبحث عنه، قبل سفري إلى القاهرة لطباعة كتابي. ولكن لا جدوى. المهم أن الأستاذ عبد الله عبد الجبار، والدكتور الخفاجي، ومصطفى السحرتي، وعبد الحميد مشخص الأديب السعودي، قد غمروني بنبل مشاعرهم في ذلك الحفل الذي تكلمت في نهايته وشكرت المتحدثين والمدعوين.. وبررت إفرادي شعراء نجد دون شعراء المناطق الأخرى.. بأن شعراء هذه المنطقة لم يكتب عنهم أحد قبلي.. لذلك توليت هذه المهمة من أجل التكامل التعارفي، والمعرفي بين شعراء جميع المناطق. رسائل من أوروبا وأمريكا بدافع حرصي على أن يعرف مَنْ يمكنه أن يعرف من المهتمين بالشعر والأدب في داخل المملكة وخارجها.. أهديت نسخاً منه إلى عدد من الجامعات العربية والغربية والمجامع العلمية واللغوية. ووصلتني خطابات تفيد بوصول الكتاب إليها؛ مع الثناء والشكر.. منها - مثلاً - (جامعة برنستون) و(مكتبة الكونجرس) بأمريكا.. و(جامعة لندن) و(المتحف البريطاني) و(جامعة ليبزج).. بل أرسل إليَّ (بلجيكي) (يهوى جمع الكتب الأجنبية والجميلة...) - على حد تعبيره - أرسل إليَّ خطاباً بواسطة الملحق الثقافي السعودي هناك يطلبني إهداءه نسخة من الكتاب، ففعلت.. ثم أرسل إليَّ (صورة) فيها مجموعة كتب من بينها كتابي ليثبت لي صحة هوايته. كيف عثر على الكتاب قبْلاً؟ لا أدري. محمد عمر توفيق لماذا أرجع إليَّ الكتاب!؟ لم يكن اهتمام الأدباء السعوديين واحتفاؤهم بالكتاب؛ أقل من اهتمام الأدباء العرب الذين تحدثوا عنه إذاعياً وصحافياً.. وسبق أن ذكرت نماذج منهم.. وقد كُتِبَتْ عنه كتاباتٌ غزيرة الكم والكيف.. وأدع توصيفها وتقييمها لغيري. ولعل من المواقف اللافتة أن الأستاذ محمد عمر توفيق - الأديب ووزير المواصلات الأسبق - رحمه الله - قد أعاد إليَّ من مكة.. النسخة المرسلة إليه مع بطاقتي الشخصية... قائلاً في خطابه المرافق للنسخة المعادة: (أعيد إليك الكتاب الذي أرسلته إليَّ مشكوراً، لتكتب عليه الإهداء بقلمك وتوقيعك، ثم تعيده إليَّ، ذلك أن هذا الكتاب سيكون له شأن كبير، ولذلك سيكون من أعز الكتب التي تقتنيها مكتبتي....).
|
|
|
| |
|