| |
الجدول المدرسي وآثاره التربوية د. عبد الملك الجندل (*)
|
|
يتفق التربويون على اعتبار المدرسة من أهم وسائل التربية المقصودة، التي أنشأها المجتمع لرعاية أبنائه، فهي ذات أثر فاعل في تكوين شخصية المتعلم، وتشكيل أنماط سلوكه واتجاهاته. لذلك فإن كل أمر يتم اتخاذه في المدرسة يجب أن يكون مبنياً على أسس علمية تربوية سليمة. هذه مقدمة بسيطة أرى أهمية تذكرها واستشعارها، بعد أن رأيت توجهات وتطبيقات تربوية أعتقد عدم صحتها، وأن نتائجها سلبية على التربية والتعليم، مهما كان صدق نيات متخذيها ومتقبليها، أو سكوت منتفعين بتطبيقها، وتلك التصرفات هي: ما يتبناه بعض مديري المدارس ويطبقونه، وهو تقديم المواد العلمية أوائل الجدول المدرسي الأسبوعي، فخصصوا أوائل الجدول للمواد العلمية، ثم ما فضل بعد ذلك وزعوه على بقية المعلمين في التخصصات الأخرى، وذلك بسبب قناعتهم أن المواد العلمية تحتاج إلى صفاء الذهن، بداية اليوم الدراسي، قبل أن يتسرب الملل والسأم والجوع إلى نفوس الطلاب، وقبل أن تبدأ أذهانهم بالسرحان وأحلام اليقظة والتخيلات والأمنيات، وأما مواد التربية الإسلامية وغيرها، فهي مواد مفهومة، لا أهمية في وضعها في الحصص الأولى، والطلاب سيفهمونها في أي وقت يتم تدريسها، فما على الطالب إلا القراءة ثم الفهم. فأقول لذلك المدير: عزيزي... أَنسيتَ أنَّ هناك مادة مقررة هي القرآن الكريم، ذلك الكتاب المقدس الذي يعد أهم شيء يجب أن يلتزم به المسلم إقامةً لحروفه وحدوده، وأن المقصد من تدريس القرآن ليس فقط قراءة الحروف بحركاتها وسكناتها؟؛ أَنسيتَ الحديث الشريف كلام خير البشر - صلى الله عليه وسلم - أَلم تعلم أن دراسة القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية، وعلوم الدين كالتوحيد والفقه، تحتاج إلى صفاء الذهن وتوقده بداية اليوم الدراسي، تحقيقاً لوحدانية الله وعبوديته، ومعرفةً للأوامر لتنفيذها، والنواهي لاجتنابها، وتطبيق شرع الله، واستخلاص الفوائد وربطها بواقع الطالب؟؛ أَنسيتَ أهمية اللغة العربية، ودورها في فهم القرآن والدين والمحافظة على اللسان العربي؟. أَنسيتَ أهمية دراسة التاريخ، وأن هدف دراسته ليس مجرد التعرف على قصص الأمم الماضية، ولكن إضافة إلى ذلك أخذ العبرة والعظة، ومعرفة أسباب نهوض الأمم: تقدمها، وأسباب انحطاطها وتخلفها، إضافة إلى المواد الأخرى؟. هذا تذكير بأهمية جميع المواد الدراسية، ودورها في مستقبل المجتمع، ويجب ألا يُفهم أني أنبذُ العلوم الحديثة العلمية، ولكن أدعو إلى أن تكون المواد الدراسية عبر منظور واحد، مع التنسيق فيما بينها، فتلك المادة تكون متقدمة يوماً، ومتأخرة يوماً آخر، حتى يكون التناسق والانسجام بين المواد جميعاً وتتكامل فيما بينها، وحتى لا نبعث للطالب رسالة مضمونها الاهتمام بما قدمناه، والتساهل واللامبالاة بما أخرناه في الجدول المدرسي. ختاماً.. إلى كل مدير وكل تربوي: إن مجدنا وعزنا ورفعتنا ونصرنا إنما هو بديننا، الذي أساسه القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة، وما بعدهما يأتي تباعاً، وكما قال الفاروق - رضي الله عنه -: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة من غيره أذلنا الله). وألا نكون مثل الغراب الذي يُحكى عنه أنه حاول تقليد مشية الحمامة، فلم يستطعْ، وأراد الرجوع لمشيته الأولى فلم يستطعْ، يجب ألا نقلد الآخرين تقليداً أعمى فلا نستطيع، ثم نحاول العودة إلى ما كنا عليه، فلا نستطيع.
(*) وزارة التربية والتعليم
aljndl@hotmail.com |
|
|
| |
|