| |
الحبر الأخضر مسؤولية المثقف تجاه الإرهاب أ.د. عثمان بن صالح العامر
|
|
تتجدَّد وللأسف الشديد الأحداث الإرهابية على ساحة وطننا المعطاء وفوق ثرى تراب أرضنا الطاهرة، ومع اعتراف كل مواطن أو حتى مراقب خارجي منصف بالدور الهام والمفصلي الذي تقوم به وزارة الداخلية مشكورة في ملاحقة هؤلاء المتطرفين وإفشال مخططاتهم السرية التي يُراد بها النيل من أمن هذه البلاد وإفساد استقرارها.. مع ذلك فإنني أعتقد أن تشخيص ظاهرة الإرهاب وكشف أسبابها الحقيقية يعتبر الركيزة الأولى في الانطلاق نحو العلاج السليم الذي لا يختزل الدور في التعامل مع أعراضها السطحية بقدر ما يركِّز على اقتلاع جذورها وعللها الجوهرية. وفي هذا السياق يتطلب علاج قضايا الإرهاب وما يتفرّع عنها من ممارسات العنف المستندة إلى فكر التطرف جهود مختلف الهيئات ومؤسسات المجتمع ورموز الفكر والسياسة والتربية والثقافة كل حسب طبيعة أدواره ومسؤولياته في إطار من التنسيق والتكامل، ومن بين هذه المؤسسات والهيئات تضطلع المؤسسة الثقافية بدور هام وبارز في تشخيص القضية وتحديد أسبابها داخلياً وخارجياً فضلاً عن مسؤوليتها - الثقافية - في إنتاج الشخصية الفردية والجمعية.. ونظراً لاختلاف عملية التشخيص باختلاف المرجعية وتوجهات المثقف والأرضية التي يقف عليها تتنامى مسؤولية الوطني - الإسلامي في تشخيص أسباب الظاهرة وفق المرجعية الإسلامية التي تعبِّر عن حركة المجتمع المحلي، وتتعدد هذه المسؤوليات لتشمل: (أ) تاريخياً : تقع على المثقف الإسلامي مسؤولية دراسة قضايا ظاهرة الإرهاب من حيث الكشف عن العوامل الموضوعية والذاتية التي أفضت إلى ممارسة العنف وخلفياتها الدينية الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تستند إلى التطرف، وبيان المنابع التي لعبت الدور الأساس في تشكيل بؤر الإرهاب وممارساته في دول العالم، كما يتحمّل المثقف الإسلامي مسؤولية الكشف عن الأسباب الخاصة والعامة للإرهاب في دول المنشأ وكيف تم رعايته وتصديره إلى الدول الأخرى، وتقديم ذلك بشكل توعوي إلى شرائح المجتمع المسلم تتناسب مفرداته وطريقة تناوله مع التفاوت الثقافي بين تلك الشرائح. (ب) عالمياً: تقع على المثقف الإسلامي عدة مسؤوليات في تشخيص الظاهرة وتحديد أسبابها يتمثَّل أهمها فيما يلي: - الكشف عن الوهم والحقيقة في تبني قوى الهيمنة في العالم لقضايا الإرهاب كمسوغ لتحقيق خططها وتوسيع نفوذها وإحكام سيطرتها العسكرية والاقتصادية. - ربط الأحداث السياسية العالمية بقضايا الهوية الثقافية وإبراز مدى حاجة قوى الهيمنة إلى مبررات ثقافية ودينية تبرر تدخلاتها المزرية في شؤون المجتمعات. - متابعة التقارير والدراسات والكتابات الصادرة في مجال صراع الحضارات والثقافات، ونقدها بشكل منتظم في دوائر الإعلام بما يكرس الوعي بمحوريتها في السياق العالمي المعاصر. - تكثيف الكتابة والنشر حول دور اللوبي الصهيوني وأفاعيله الثقافية والسياسية والاقتصادية من خلال دوائر تنتشر حول العالم. وتجدر الإشارة إلى أن نجاح المثقف الإسلامي في أداء رسالته في هذا الخصوص يتطلب عدم الاعتماد فقط على الجهود الفردية التي تعبِّر عن الانتماءات والتحيّزات الثقافية بقدر ما يُعمد إلى تكوين مراكز وهيئات ذات صبغة قانونية تعمل بشكل مؤسس يمكّنها من التعامل مع المؤسسات المضادة ذات الإمكانيات المادية والتقنية المتطورة على سبيل الندية والمماثلة. (ج) محلياً: تقع على المثقف الإسلامي مسؤولية تشخيص الأسباب انطلاقاً من الأرضية الإسلامية كمنهج في تفسير الأحداث والحضور النقدي الفعَّال للكشف عن العوامل الذاتية للإرهاب، ويتم ذلك من خلال العديد من الأدوار يعد من أهمها: - تقويض النظرة الاستعلائية السائدة في ثقافتنا، ومقاومة الرؤى التي تكرّس المثالية الذاتية لدينا وتصرفنا عن تشخيص الواقع إلى ماض مجيد أو مستقبل يعد بالتمكين دون الالتفات إلى الشروط المؤدية إليه. - نقد المكونات العرفية التي تؤول بالكثير إلى القولبة والتنميط والكشف عن الأسباب الكامنة في هذه المكونات والتي يمكن أن توقع البعض في دائرة الغلو أو التطرف. - تحديد الأسباب الثقافية والتربوية التي تؤدي إلى تدني الاستقلالية في التفكير.. وتفعيل روح التبعية لدى النشء، وغياب المسؤولية، وإشاعة التفكير الحدي، وثقافة الخوف والشك والصمت. - نقد المفهوم الاختزالي للدين الذي أدى إلى ظهور ثقافة دينية تركِّز على الطقوس والمعايير الشكلية دون الالتفات الكافي إلى ثقافة العمل والممارسة - التي تعبر عما وقر في القلب - والاختزال السلوكي وتجاهل الفكر والمشاعر. - تحديد مسؤولية العلاقة السلطوية في بنية المؤسسات التنشئة بين الموجه والمتلقي، والأب والابن، بما يؤثِّر على روح التواصل والحوار.
|
|
|
| |
|