| |
خواطر تنموية ساخنة (3) دبي.. تهمس في أذن أخواتها! د. عبدالله البريدي*
|
|
(1) ما زلت أتحدث عن المدينة العربية: (الرؤية) و(المستقبل).. إلى أين تسيرين؟ ما يومك وما غدكِ؟.. عفواً أيتها المدينة العربية: هل تمتلكين (هوية) تميّزك عمن سواكِ (الميزة التنافسية)، أم أنك مدينة ك(البدون)! تعالي أيتها المدينة العربية - يا من تمتلئين بالمفكرين والباحثين والعلماء والمهندسين والتنمويين والحقوقيين - ولنقلِّب النظر أنا وأنتِ في رؤية مدينة عربية شقيقة.. طموحة كل الطموح.. جرئية كل الجرأة.. تمتلك رؤية وتعيش تحدياً وتعرف إلى أين تتجه.. دعينا نستمع أنا وأنت إلى همسات دبي، وليكن ذلك بلهفة تنموية صادقة! (2) تماماً بعكس المدينة العربية المأسورة بحاضرها أو حتى ماضيها، يشكّل المستقبل هاجس دبي، لدرجة جعلت بعض المحلّلين والمتابعين يشعرون بأنها مختطفة من لحظتها الراهنة! انشداد رائع للمستقبل؛ غير أن التوازن مطلوب والتناغم منشود بينه وبين الماضي والحاضر. لم نتبيّن بعد كل الملامح التي تبرز جرأة رؤية دبي وذكاء دبي، ذلك الذكاء الذي يفضح بلاهة غيرها من المدن العربية! إنها دبي.. ففي المجال السياحي - فضاؤك أنت أيتها المدن العربية السياحية الكبرى! - استطاعت دبي أن تظفر بأكثر من 6 ملايين سائح متفوّقة على مصر ولبنان والمغرب معاً، واستطاعت دبي أن تحافظ على نسبة نمو سنوي قدره 10% لمدة عشر سنوات ووصل نموها إلى 16% في عام 2006م واستحقت بذلك وبكل جدارة لقب أول النمور العربية، فهل ثمة نمر عربي ثانٍ؟ (3) يقرر مهندس دبي المبدع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن (الامتياز) في رؤية دبي: (مفهوم حضاري متكامل وعملية بناء رأسية وأفقية للمجتمع المعني بها)، ثم يمضي ويقول (لكي نحقق الامتياز في الوطن العربي يجب أن تكون جميع عناصر التنمية متميزة: الرؤية، الأهداف، القيادة، الأفكار، الإدارة، فريق العمل، التخطيط، المعايير، التدريب، التأهيل، المشاريع، التنفيذ، التسويق، التوجّه، الإنتاجية، الاستمرارية، المرونة، ومعظم العناصر الأخرى المتصلة بها)، ويكشف بنبرة صريحة مقوماً رئيساًً لتحقيق ذلك الامتياز، وذلك بوجوب الاعتراف بأننا (غير متميزين)!، ثم يرتد إلى جوهر الامتياز ولبه بقوله: (أهم مكونات الامتياز في التنمية هم البشر، البشر ثم البشر ثم البشر.. الفشل العربي في التنمية الصحيحة نتيجة طبيعية للفشل في الاهتمام بالناس)، وتتعدد مظاهر الامتياز المذهل التي حققتها دبي والتي يشمل (انظر كتابه: رؤيتي - التحديات في سباق التميز، 2006م ): 1 - الامتياز في الإدارة: فقد أضحى نموذج دبي الإداري للتطوير الإداري في القطاع الحكومي نموذجاً فريداً، حيث استطاع القطاع الحكومي منافسة القطاع الخاص والتغلّب على الكثير من المعوقات والتخلّص من الكثير من التشوّهات التي تشوب العمل الحكومي كالروتين والبطء والفساد ونقص الشفافية وضعف الجودة، ويعتبر حصول بعض الجهات الحكومية على جائزة دبي للجودة مؤشراً على صحة ذلك (الادعاء التنموي). 2 - الامتياز في التكامل: من خلال إحداث نوع راق من التكامل بين القطاع الخاص والحكومي، ويعد مشروع حكومة دبي الإلكترونية رافداً أساسياً لتحقيق ذلك التكامل الفريد. 3 - الامتياز في الاستثمار: ليس من خلال جذب المستثمر فحسب، بل بإقناعه على الاستقرار وزيادة استثماراته عبر تقديم باقة متكاملة من الخدمات والتسهيلات والمزايا التفضيلية، فمثلاً سمح للمستثمرين في المناطق الحرة - كجبل علي ومدينة دبي للإنترنت - أن يتملك بنسبة 100% وأن يعيد إخراج رأس المال ويعفى من الضرائب والرسوم الجمركية، مما أدى إلى ارتفاع عدد الشركات إلى 4000 شركة تستثمر ما يزيد عن 12 مليار دولار. 4 - الامتياز في التسويق: يفصح الشيخ راشد عن بعض شفرات دبي في التسويق؛ حين يتحدث عن مهرجان دبي للتسوق ومهرجان مفآجات دبي، حيث يقول إننا لا نستخدمهما (لتسويق البضائع والخدمات والمفاجآت فقط، بل نسوقهما في غلاف الامتياز الذي تشتهر به المدينة)، ويشدّد ابن مكتوم - في رؤية ثاقبة - على أن التسويق الناجح يحتاج إلى دماء جديدة قادرة على الابتكار للجديد والشيق، مع الحرص على تسويق (الصورة الذهنية) للبلد. 5 - الامتياز في إدارة الموارد وفعالية التكاليف: يتحدى الشيخ ابن مكتوم التكاليف ويقول: هل الخدمة النوعية Quality Service أكثر كلفة من الخدمة العادية أم أقل؟، يجيب: نحن أثبتنا أنها أقل كلفة بشرط إتقان إدارة الموارد وتحقيق الفعالية القصوى من التكاليف، ولا يترك ابن مكتوم الكلام على عواهنه بل يعطي أمثلة ملموسة وقابلة للاستنطاق المحاسبي والتدقيق التكاليفي، وتشمل تلك الأمثلة شركة طيران الإمارات وفنادق دبي، ودونك أيتها المدينة العربية حساباتك في تلك المجالات فتفحصيها. 6 - الامتياز في التعايش: (عندما يبتسم الإنسان لنفسه فمن السهل أن يبتسم للآخرين)، هكذا يعبِّر ابن مكتوم عن سر دبي في التعايش والتسامح، وإقناع الآخرين على أن يعودوا إلى دبي مرة بعد أخرى، بل بعضهم استقر، مع أن بعضهم - كما يقول - جاءوها ذات أغسطس وما أدراك ما لهيب أغسطس في دبي!، وبالتالي فهي ليست ك (سياحة خرج ولم يعد)، كما في بعض المدن العربية الأخرى! (4) وقد وضعت دبي لنفسها أهدافاً طموحة، منها أن تكون دبي: 1 - مركزاً عالمياً للامتياز والإبداع والريادة والصناعات ذات التقنية العالية، مع توفير مقومات جذب الاستثمار واستقراره في تلك المجالات. 2 - مركزاً رائداً في مجال الاقتصاد المعرفي والمعلوماتي، وتأسيس بنيته التحتية وفق أحدث المعايير. 3 - الأولى للتجارة والسياحة والخدمات في القرن الحادي والعشرين. 4 - المدينة الأولى في الأمن والأمان وسرعة النمو. 5 - مجتمع رجال الأعمال بحيث يجدون ما لا يجدون في أي مدينة أخرى، من حيث الخدمات، اكتمالها وجودتها وسرعتها. 6 - مركزاً عالمياً للتدريب والتأهيل واكتساب الخبرات المتقدمة. 7 - تطوير دور الدولة إقليمياً وعالمياً واستمرار تفردها كمركز للامتياز. ومن الأهداف الكمية لرؤية 2010 تستهدف دبي تحقيق الآتي (المرجع السابق): 1 - رفع قيمة الناتج المحلي لإمارة دبي بنسبة 100%. 2 - رفع متوسط دخل الفرد بنسبة 100% ليصبح الأعلى في الشرق الأوسط. 3 - رفع نسبة إسهام الإنتاج والخدمات في الناتج المحلي لتصل إلى 70%. 4 - رفع الطاقة الاستيعابية لمطار دبي الدولي من مستواها الحالي وهو 24.7% مليون راكب سنوياً لتصل إلى 120 مليوناًً. 5 - زيادة عدد السياح إلى 15 مليوناً مع القيام بما يتطلبه ذلك من دعم الأسطول الجوي وفتح خطوط جوية جديدة وزيادة مراكز التسوق والتسهيلات الفندقية والسياحية والترفيهية. ترى هل تملكين أيتها المدينة العربية شيئاً من ذلك؟ هل يطيق المسؤولون عنكِ أن يوقوفونا على رؤية تعدت إطار الأفكار والوصف النوعي إلى الرؤية المحكومة بقياس كمي صارم؟ (5) وتتطلع دبي لأن تكون نواة العالم الأوسطي في شرق العالم الأقصى؛ وهو كتلة اقتصادية آخذة بالتشكّل تتألف من 30 دولة لا تنتمي إلى الكيان الاقتصادي الغربي، ويقع ذلك التكتل الجديد بين هذا وذاك؛ وتأمل دبي لأن تكون قلبه النابض، ويضم دول الخليج وشبه القارة الهندية وشمال الخليج وآسيا الوسطى وبلاد الشام وتركيا وقبرص وشرق أفريقيا وشمالها وهي المنطقة المعروفة باسم منطقة العالم الأوسط الاقتصادية The Central World Ecnomic Zone CWEZ المرجع السابق. تدرك دبي - من خلال رؤية مهندسها المبدع - أن تلك المنطقة تتفاوت من حيث مستوى النمو والتقدم لدولها، كما أنها تختلف في أنظمتها السياسية والاقتصادية وتركيبتها العرقية وبنائها الاجتماعي وقدراتها ومواردها البشرية والمالية، ولكن دبي تذهب إلى أنه وعلى الرغم من تلك الفوارق والاختلافات فإنها منطقة تضم حوالي ثلث سكان الكوكب وأن ناتجها المحلي يقدر بنحو 1.5% تريليون دولار أي 12% من قيمة الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية ونحو 40% من ناتج اليابان، وتستحضر دبي - بدهاء وأصالة - أن تلك المنطقة هي مهبط الرسالات السماوية ومهد الحضارات العظمى، وتشدد دبي على أن منطقة صنعت تلك الحضارات قادرة بإنسانها أن تفعل الشيء ذاته إذا توافرت الإرادة والإيمان بالريادة والامتياز وظفرت المنطقة بصيغ تنموية ملائمة لثقافتها وحضارتها. لعلنا نواصل الاستماع والتأمل في همسات دبي في حلقة قادمة.
Beraidi2@yahoo.com |
|
|
| |
|