| |
وفد الرياض يمثل إلى جدة ويجدد البيعة للملك سعود عبد الرحمن بن سليمان الرويشد
|
|
رائع جداً أن تواصل صحافتنا المحلية على هامش (ندوة تاريخ الملك سعود) التي أقامتها دارة الملك عبد العزيز في الأيام الماضية لتوثيق تاريخ حياته، ونشر المزيد من الجوانب المهمة في تاريخ بلادنا، حتى لا يطوي النسيان بعض تفاصيل تلك الجوانب. ولا غرابة أن يكون عهد الملك سعود إحدى المحطات المهمة التي سوف يجد الباحث في ثناياها الكثير من مفاصل أحداث تاريخ بلادنا خاصة وتاريخ البلاد العربية عامة، فقد كان عهد جلالته عهد ما بعد التأسيس والوحدة، عهد البناء واستثمار المكتسبات. أما في بلاد الإخوة الأشقاء العرب فسيجد عهد التحرر من ربقة الاستعمار للبعض، وبروز الشعارات وانتشار دعوات المذاهب السياسية والأحلاف في البعض الآخر.. كما سيجد زخماً قوياً وانطلاقة غير معهودة لألسنة الرأي العام للتبشير بامتدادات المد القومي والشيوعي والاشتراكي والبعثي دون أن تقيد تلك الألسنة نفسها بأي إحساس بالمسؤولية، أو احترام للأنظمة المحافظة أو التقليدية، مما كان له الأثر السيئ حتى اليوم من تداعيات سلبية على بعض شعوب المنطقة. ومن هنا تنطلق أهمية دراسة تلك الفترة، حتى وإن بدا للبعض أن مثل ذلك الاهتمام ربما يندرج تحت مسمى التكرار أو الإعادة، ولكن مهما يكن من أمر فإن حياة الإنسان وتاريخه في الجملة لا يعدو أن يكون ضرباً من التكرار أو الإعادة.. غير أن المهم هو ما يؤخذ في الاعتبار من معادلات للصيغ، حسبان لتعاقب الأجيال، وهذا ما يميزها عن التكرار. كان سروري بالغاً عندما رأيت ما تبديه صحافتنا من استمرار ومتابعة في رصد تلك الأحداث عن الماضي القريب، والذي كنت شخصياً في جوانب منه شاهد عيان على بعض جزئياته، فقد كنت مثلاً عضواً في وفد أهالي الرياض الذي مثل إلى جدة بعد تشكيله على إثر وفاة الملك عبد العزيز ليقوم بواجب حمل التعزية وتجديد البيعة للملك سعود نيابة عن بقية سكان المدينة - آنذاك - وكان ذلك الوفد يتكون من أكثر من ستين شخصية من وجهاء الرياض وتجارها وكبارها.. ومن أهل الحل والعقد فيها. وكان مما اتفق عليه أن يكون لي شرف إلقاء الكلمة التي سوف تتلى على جلالته عند المقابلة.. ولم يكن وضعي حينها أكثر من طالب من طلاب معهد الرياض العلمي لم أزل بعد في الصف الدراسي النهائي لنيل الشهادة الثانوية ذلك العام.. وقد أشارت الصحف المحلية الصادرة حينها إلى ذلك الوفد، ونشرت نص الكلمة التي ألقيت بين يدي جلالته(1) وإلى الحديث الذي وجهه جلالته إلى الوفد بعد الانتهاء من الكلمة. وهنا لا بد أن أوضح كشاهد لذلك الحدث متى وأين حدث ذلك؟ متبعاً ذلك بنص كلمة الأهالي.. ثم تعليق جلالته على تلك الكلمة. فبعد أن التحق الملك عبد العزيز بالرفيق الأعلى، وسكت خفق قلب ذلك الرجل العظيم في يوم الإثنين الثاني من شهر ربيع الأول عام 1373هـ الموافق (التاسع من شهر نوفمبر عام 1953م) بعد حياة حافلة بالعطاء والأمجاد عاشها خليفته المرشح للملك بعده، وذاق حلاوة ما جلبته من نصر كما تجرع كأس ما جلبته من مرارة عندما لم يكن إلا الأسنة مركباً خبر كل خفايا تلك الحياة، وعاشها يوماً بيوم، وسنة بسنة، مما جعل انتقال الحكم إليه يسوده الهدوء والطمأنينة، وجعل الكل يستبشر خيراً أثناء تلك اللحظات، ولذلك أعدت الرياض للمشاركة وفداً ضخماً أرسلته إلى جدة حيث يقيم الملك سعود - آنذاك- فقام ذلك الوفد في اليوم (العاشر من شهر ربيع الأول) بمقابلة جلالة الملك في القصر الملكي في جدة حاملاً معه تجديد البيعة والولاء، فقابلهم بالحفاوة والترحيب عصر ذلك اليوم. وكان الوفد قد ناقش في اليوم السابق موضوع الكلمة التي تعبر عن البيعة والتهنئة، والتي سوف تلقى بين يدي جلالته، فانتخب عدد من الوفد لأداء هذه المهمة، واتفق على أن يكون الاجتماع في المعهد العلمي بالرياض تحت رئاسة مدير المعهد الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، ومساعده الأستاذ حمد الجاسر.. وفي ذلك الاجتماع المصغر اتفق أن يعهد إلى شخصي بإلقاء كلمة الوفد.. وهي الكلمة التي نشرت بعد إلقائها في جميع الصحف السعودية يوم 15-3-1373هـ تحت عنوان (وفد الرياض يجدد البيعة) وقد نشرت الصحف الكلمة إلى جانب أسماء أعضاء الوفد الذي حضر جواً إلى جدة في ذلك اليوم للسلام على حضرة صاحب الجلالة الملك سعود لتعزيته في فقيد الأمة، وتجديد البيعة الشرعية لجلالته والتي سبق أن أخذت منهم في حشد كبير يوم الأحد الماضي من الأسبوع نفسه عن طريق سمو أمير الرياض الأمير نايف بن عبد العزيز.. وأتذكر جيداً أن النقاش في اللجنة المصغرة دار حول استعراض منجزات الملك عبد العزيز وتراثه الذي تركه لنا والذي سيشار إليه والتذكير به بين يدي العاهل الجديد، كما تطرق الحديث حول وصف الظروف التي يتسلم فيها جلالته مهمته، والتي تختلف عن الظروف التي تولى فيها والده أمر هذه الأمة.. فتلك ظروف كانت تستند في مقوماتها إلى عدة وعتاد، وتلقى مشاق الصحراء وبعدها من أجل سياسة ثابتة تعتمد الوحدة والتوحيد هدفاً لها، وهو زمن مضى، وكانت الجزيرة معزولة أو شبه معزولة عن العالم.. أما اليوم فإن هذا القائد سوف يتولى الحكم بعد تغير الحال وبعد أن أصبح الفرد - فضلاً عن الحكومة - يستطيع أن يتعرف على ما يحدث في العالم لحظة وقوعه، وأن العالم العربي والإسلامي اليوم أصبح أمام صراعات محتملة بعد أن أفاق الكل على وقع الأجراس ورنينها، وعلى صراع الشرق والغرب المتمثل في الأحداث القائمة من ثورات متوالية وانقلابات متزايدة ومن ضجيج وصخب حولنا. لذلك فإن الأمل معقود بعد الله على قيادة هذا الحاكم الجديد الذي ينبثق عصر اليوم، وكلنا أمل أن يكون حصناً وساعداً قوياً يحمي مكتسباتنا وأن يكون راعياً رائداً مجسداً لآمالنا بإذن الله تعالى، وعلى إثر ذلك النقاش الذي كان يتولى إدارته وتسجيل ما يدور حوله من أحاديث الشيخ حمد الجاسر طلب مني أن أصوغ كلمة تتضمن تلك المعاني التي ناقشها الوفد، لتكون كلمته.. فعملتها قدر طاقتي، وقدمت مسودتها للجنة فنالت الاستحسان بعد أن أضفى عليها شيخنا الشيخ حمد الجاسر بعض التعديلات الضرورية.. أسوقها لكم ضمن هذا المقال لتكون ثبتاً في نسق التاريخ الذي نسعى جاهدين إلى تذكره وتوثيقه، كما سأختم الكلمة بالجواب المقتضب الذي أعقب تلك الكلمة، وهي الكلمات الطيبة الكريمة التي وجهها جلالته للوفد.. أما الكلمة فهي: بسم الله الرحمن الرحيم حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم سعود بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، أدام الله له العز والتمكين. صاحب الجلالة: لقد تركت حياة والدكم العظيم في نفوس الشعب العربي السعودي عامة، وفي نفوس سكان مدينة الرياض خاصة آثاراً لا تنسى مدى الحياة، فأهل هذه المدينة وإن شاركوا جميع أفراد الشعب السعودي بما أفاض الله على يد ذلك العاهل العظيم من ضروب الخير والإصلاح من عدل وأمن إلا أن الله سبحانه وتعالى قد خصهم من جلالته - بوأه الله منازل الأبرار- ما لم يخص به غيرهم، فهم وكر عزه منذ أن تبوأ عرش آبائه عام 1319هـ بل هي موطن جلالته منذ ولد إلى أن انتقل إلى الدار الآخرة، يولد مولودهم وينشأ ويشيب في كنف جلالته متمتعاً بعطفه الخاص، فلا غرو إذا ازداد حزنهم وعظم أساهم، واشتد جزعهم لفراق جلالته أعلى الله منزلته، غير أن الله سبحانه وله الحمد على كل حال قد خفف وقع المصيبة في النفس وأزال آثار ذلك الحزن حينما جعل جلالتكم خلفاً صالحاً لملك صالح، أبا ذا عطف وشفقة على هذا الشعب المخلص، وملكاً شرعياً على هذه المملكة العظيمة التي إن حظيت من جلالة والدكم العظيم بضروب الإصلاح فستلقى إن شاء الله من جلالتكم خير من أكمل ما بدأ به منشئوها، وخير من يبني على ما أسس مصلحها من تقدم.. وإنها لنعمة يقابلها أبناء شعبكم بعظيم الشكر مبتهلين إليه أن يجعل عهد جلالتكم خير عهد، وأن يقرنه باليمن والسعد، وأن يعز بكم الإسلام والمسلمين. صاحب الجلالة: إننا إذ نحظى بشرف السلام على جلالتكم لنرفع لسدتكم العالية هذه الكلمة أصالة عن أنفسنا ونيابة عن جميع سكان مدينة الرياض، مؤكدين بيعتنا التي قمنا بها لنائب جلالتكم سمو أمير الرياض في الاجتماع التاريخي الذي عقد في تلك المدينة يوم الأحد الثامن من شهر ربيع الأول لسنة 1373هت بحضور المفتي الأكبر للمملكة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ومعبرين عن ولائنا وإخلاصنا، ومظهرين سرورنا واغتباطنا باعتلاء جلالتكم عرش البلاد.. يشاركنا في ذلك كل أفراد تلك المدينة التي أنابتنا للمثول بين يدي جلالتكم، لنعبر عن آراء أهلها، بل يشاركنا جميع أفراد الشعب الكريم الذين يرون في جلالتكم (أعزكم الله وأدام توفيقكم) خير من يتولى أمورهم ويسهر على مصلحتهم، ويحمي حوزتهم، ويحافظ على كيانهم. ولا ريب أن جهود جلالتكم العظيمة في حياة والدكم أصدق برهان وأوضح دليل، فقد تربعتم في قلوب كل فرد من أفراد شعبكم قبل تربعكم على عرش المملكة وقد حللتم في كل نفس من نفوس أهلها منزلة رفيعة، فأصبح الجميع ولله الحمد مغتبطين قد أبدل الله حزنهم سروراً، عوضهم عن فقيدهم خير عوض، وإننا في الوقت الذي نبتهل فيه إلى المولى القدير أن يتغمد الراحل العظيم بواسع مغفرته ورضوانه أن يدخله جناته، ونسأله أن يديم لجلالتكم التوفيق والعز، وأن يتولاكم بعونه وحفظه، وأن يعز بكم الإسلام والمسلمين.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين. وبعد إلقائي لتلك الكلمة هب جلالته واقفاً قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أشكركم جميعاً، وأتقبل بيعتكم وتهنئتكم وأحملكم رسالة شكر وامتنان لمن وراءكم من سكان مدينة الرياض.. وإني لاحتفظ لكل واحد منكم بالمودة والمحبة، وأرجو أن تكون الصلة دائمة بيني وبينكم وبين الجميع، وأعدكم بأنني سأبذل في سبيل راحتكم - أيها الشعب الكريم - كل غال ونفيس، وسأكون بإذن الله عند حسن ظنكم، سأكون حرباً - بتوفيق الله - على الجهل والفقر والمرض، وإنني إذ أقدر الفاجعة التي فجعنا بها في وفاة والدنا ومؤسس دولتنا والد الجميع الملك عبد العزيز (رحمه الله) إلا أن الله منَّ علينا بالصبر والتجلد في ساعة الفاجعة، ولم يذهلنا هول المصاب عن أداء الواجب بالسير على الخطى التي رسمها لنا، وسنواصل الجهد للنهوض ببلادنا وشعبنا معتصمين بكتاب الله ومهتدين بهدي رسوله ومقتدين بسياسة وإدارة المغفور له في كل مجالات الإصلاح لنتم ما بدأه من أعمال نافعة بإذن الله، ونقوم بكل ما نستطيع القيام به لما فيه من مصلحة بلادنا وشعبنا.. والسلام عليكم.. ثم ودَّع الجميع على أن يلتقي بهم في مأدبة العشاء التي أقيمت في القصر الملكي للوفد بعد صلاة المغرب من ذلك اليوم..رحم الله الملك سعود وأسكنه فسيح جناته. (1) جريدة البلاد السعودية 15-3-1373هـ
|
|
|
| |
|