| |
لندن خريفاً (2-2) د. فوزية عبد الله أبو خالد
|
|
حضور المرأة العربية في الإعلام الإنجليزي: كان عمل رحلتي نهاية خريف 2006م إلى لندن محطة لإضفاء اللمسة ما قبل الأخيرة لعمل امتدّ على مدار قرابة العامين، وشارك في العمل عليه وفي إعداده منذ أن كان حلماً يحبو للتوّ على مخمل أجنحة المخيلة إلى أن تحوّل إلى عمل بحثي ميداني موثَّق بالأرقام والشواهد فريق كبير من النساء والرجال المتخصصين في عدد كبير من المجالات العلمية من الإحصاء إلى الاقتصاد والإدارة والسياسة، ومن الاجتماع إلى الفلسفة والتربية والصحة، ومن القانون إلى العلوم الشرعية والتاريخ وعلوم التقنية، ممن تتنوع وتتعدد وتختلف أطياف خلفياتهم الثقافية والسياسية. وقد تنقل العمل في مراحله المختلفة المضنية بين عدة عواصم من مغرب العالم العربي إلى مشرقه؛ حيث حطّت رحلة ذلك العمل المعرفية الأخيرة أو بالأحرى بدأت انطلاقته العملية الجديدة الأسبوع الماضي، وتحديداً يوم السابع من ديسمبر الجاري، في صنعاء في لقاء تدشين التقرير الرابع من تقارير التنمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ولذا فلم أتطرق لطبيعة المهمة التي أخذتني إلى لندن خريفاً في مقالي السابق، ولجأت إلى تأجيل الإتيان على أيّ ذكر للموضوع لريثما يتم التصدير الرسمي لانطلاقة التقرير، وهو بحسب التوقعات قد يكون التقرير الأكثر سخونة في سلسلة تقارير التنمية الثلاثة السابقة، وربما اللاحقة أيضاً؛ نظراً إلى طبيعة موضوعه؛ فهو التقرير الخاص بالمرأة العربية الذي حمل عنواناً استشرافياً مستقبلياً: (نهوض المرأة العربية). هذا مع إشارة غير هامشية ملحقة بالعنوان تلفت النظر إلى أن مضمون العمل لا يقتصر على القراءة التحليلية الإحصائية والاجتماعية لواقع المرأة العربية فحسب، بل يشمل جميع النساء المواطنات والمقيمات على امتداد الوطن العربي من مختلف الشرائح وبتنوع مواقع العمل والحياة على أرضه في المجالين الخاص والعام. وإذا كنتُ سأترك فترة تمرّ ليتحدث العمل عن نفسه بعد أن يصل إلى قاعدة أوسع من القراء والمهتمين والمعنيين به نساءً ورجالاً قبل أن أكتب عنه أو أتناوله ببعض الإضاءات الموضوعية، سواء من واقع مشاركتي فيه كباحثة وكعضو بمجلسه الاستشاري أو من واقع إعادة قراءتي له وتمعُّني فيه كواحدة من آلاف المتابعين له بعد صدوره؛ فإنني أيضاً أرى أن من المبكِّر التحدث عن تجربة العمل نفسها المفعمة بالدروس والمواقف واحتدامات الحوار واشتعالات سهر البحث والتقصِّي والتوثيق والاختبار والتحليل التي كثيراً ما كانت تصل الليل بالنهار والعكس. غير أن ما سأكتفي بالإشارة إليه فيما يتعلق بالتقرير في هذا الجزء من المقال هو المهمة التي انتُدبت لها في لندن، وهي مهمة المشاركة مع باقة من الزميلات والزملاء في المؤتمرات الصحفية، أو لنُسمِّها اللقاءات الصحفية، مع عدد من وسائل الإعلام الإنجليزي، وكذلك وسائل الإعلام العربي المتواجدة في إنجلترا أو التي مقرّاتها الرئيسة هناك من صحافة وبثّ إذاعي وتلفزيوني أو شبكي. وقد كانت تلك اللقاءات في العاصمة البريطانية جزءاً من سلسلة لقاءات إعلامية وصحفية عالمية - غربية توزَّع عليها عدد من العاملين بالتقرير ومستشاريه حسب - على ما أعتقد - خلفية اللغة الثانية التي يجيدون التخاطب بها؛ حيث كان قد تم تنظيم تلك اللقاءات الإعلامية لتعقد بالتزامن مع بعضها البعض نهاية شهر نوفمبر في عدد من العواصم الغربية؛ مثل جنيف وباريس وفرانكفورت وكوبنهاجن واستوكهلم، ما قبل إطلاق هذا الإصدار تمهيداً لإشهاره الرسمي في العاصمة اليمنية في التاريخ المشار إليه أعلاه. وقد حضر تلك اللقاءات الصحفية بلندن ممثلاً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ونائب أمين عام الأمم المتحدة د. أمة العليم السواسا مديرة البرنامج الإنمائي الإقليمي التي واصلت مسؤولية متابعة إصدار التقرير خلفاً للدكتورة ريما خلف هنيدي التي كانت تشغل نفس المنصب وقد شرعت وعملت في المشروع منذ انطلاقه، وكذلك د. ندى الناشف، والدكتور نادر الفرجاني مدير الفريق المركزي لكتابة هذا التقرير والتقارير السابقة وعضو المجلس الاستشاري فيها، والسفير البروفيسور د. كلوفيس مقصود عضو المجلس الاستشاري للتقرير، والخبير القانوني المستشار د. نور فرحات، وهو أيضاً عضو المجلس الاستشاري وكذلك عضو الفريق المركزي لكتابة التقرير. تقرير التنمية الرابع بين أسئلة وأسئلة بعد مقدّمة قصيرة تقدَّمت بها د. أمة العليم عن موضوع التقرير حيّت فيها مجهود سلفها د. ريما خلف هنيدي مؤكدة عزم المضي في سلسلة الإصدارات لتقارير التنمية، كما قامت فيها بتعريف أعضاء الفريق المشارك في اللقاء. وبعد أن قام د. فرجاني بتقديم عرض مصوّر ومجسّد للرسومات البيانية والجداول الإحصائية عبر برنامج ال(power point) ومختصر عن مجمل استنتاجات التقرير لم يكن لأيّ مشارك في اللقاءات الصحفية والإعلامية بعد يومين من الاستجواب، خُصِّص اليوم الأول منهما للإعلام والصحافة العربية واليوم الثاني للإعلام الغربي الإنجليزي، إلا أن يلحظ مهما كان موضوعياً ومحايداً الفرق في نوعية الأسئلة الموجَّهة. ودون التوقف للحديث عن فارق الانضباط في حضور الإعلاميين لموعد توقيت البدء في اللقاءين بين الإعلام العربي والإعلام الإنجليزي بحسب الساعة المحددة سلفاً بالعاشرة صباحاً يمكن أن أشير بضمير مرتاح إلى فارق جوهري قد يكون الأهم في هذا السياق - وإن كان الالتزام بعامل الوقت في حدّ ذاته مهماً - وهو الفارق إذا صح التعبير في (مهنية الأسئلة). فبينما جاءت أسئلة عدد من المنتدبين عن الإعلام الإنجليزي مثل البي بي سي وصحيفة الجاردين والتايمز والإيكونميست وسواها أسئلة نابعة من صلب العرض الموجز المقدم عن تقرير نهوض المرأة العربية بأرقامه وبياناته الإحصائية واستنتاجاته مع أسئلة عن علاقته بالسياقات المعرفية والميدانية لتقارير التنمية السابقة؛ كتقرير المعرفة والحكم الرشيد، وكذلك عن طبيعة المساهمة العلمية لكل واحد من فرقاء البحث المتواجدين في اللقاء؛ فقد اكتفى عدد من مندوبي الإعلام العربي بطرح ما أسمِّيه ب(الأسئلة السياسية) الحائمة حول الموضوع وليست المتعلقة بصلب موضوع التقرير على وجه التحديد. وكان بعض تلك الأسئلة (المسيَّسة) من مثل: (هل واجه العمل الميداني للتقرير رقابة من الأنظمة العربية التي جرت فيها بعض التطبيقات؟ هل سيثير التقرير حفيظة بعض الأنظمة العربية؟ هل قد يستفز التقرير (بعض القوى المتعصِّبة يساراً أو يميناً) في بعض دول المنطقة؟)، هذا بالإضافة إلى أسئلة أخرى لا أستطيع أن أخفي استغرابي لها عن مسائل تتعلق بإشكالات طائفية أو انقسامات موقفية مما توقَّع عدد من الصحفيين العرب أو على ما يبدو حاولوا التنبؤ به ليس بناءً على كلمة واحدة مما جاء عن التقرير في ذلك اللقاء من معلومات تتعلق بصلب قضية المرأة العربية وواقعها، ولكن بناء على ما ظهر لي بأنه مجرد تأسيس تخميني على توقعات مسبقة من بعض الصحفيين والإعلاميين حتى قبل قراءة التقرير ودون الإصغاء الدقيق أو الانتباه والاهتمام بمناقشة ما تم ذكره عن التقرير وطرح الأسئلة فيه. وربما كان من أحد الأسئلة القليلة التي طرحها الإعلام العربي مما رأيت أنه يتعلق بسياق ما ساقه موجز التقرير في ذلك اللقاء هو السؤال عما إذا ما كان تقرير نهوض المرأة العربية قد يتعرض لمناهضة من الإدارة الأمريكية كسابقه، سيما أنه تناول بالتحليل مسألة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين والاحتلال الأمريكي في تأثيرهما المعيق على وضع المرأة المعيشي اليومي والنهضوي الاستشرافي في البلدين. وإن كان السؤال على موضوعيته في علاقته بلمحة مما تم ذكره عن التقرير في اللقاء لا يخلو بطبيعة الحال من المنحى السياسي، ولكن في هذا السؤال بالذات بدا البُعد السياسي بُعداً غير مقحم؛ نظراً إلى أنه تساءل عن نقطة وردت في التقرير ولم يكن من تلك الأسئلة الافتراضية التي لم تجهد نفسها في محاورة العمل بقدر ما اكتفت بالتعبير عن هواجس الإعلامي العربي وتحسبُّاته وحسب. هذا مع ملاحظة أنني لم أتوقف عن الفارق عما نشره كل فريق إعلامي من مانشيتات أو تعليقات خاصة بالتقرير تتفاوت بين الخفوت والتعتيم والصخب، فذلك يتطلب وقفة أخرى. وإذا كنتُ قد ذكرتُ الفارق النوعي في الأسئلة ليس لتفضيل الإعلامي الغربي على العربي، وليس للتعميم؛ فقد كان بعض من مندوبي الإعلام الغربي عرباً أو من المنتمين إلى أصل عربي، وكانت أسئلتهم منتهى المهنية، ولكني أورده من باب التساؤل عن تلوُّثنا السياسي الذي يكاد يعمي عدداً لا يستهان به منا من الإعلاميين والمثقفين عموماً وسواهم عن الرؤية التحليلية الموضوعية للأشياء مما أرجو ألا يغطِّي غباره على بعض ما يجيء في هذا التقرير أو سواه من الاجتهادات التحليلية الاستشرافية ويؤدي إلى مصادرتها أو الحكم عليها قيمياً قبل التحاور معها، وخصوصاً إن كانت في مجال حساس وحيوي مثل موضوع نهوض المرأة العربية. فهذا الموضوع وإن كان لا يمكن إغفال بُعده السياسي العميق فلا يمكن تناول ذلك بنظرة أحادية تكون على حساب العوامل المتعددة والمتداخلة الأخرى التي تجعل من موضوع المرأة العربية موضوعاً مجتمعياً واقتصادياً وقانونياً وسياسياً وثقافياً، بل حياتياً ونضالياً متواشجاً مع نهوض الإنسان العربي والمجتمع العربي ككل بعيداً عن الطروحات الاستشراقية أو التعصبية أو التغريب أو إلقاء التُّهم به لمجرد أن التقرير صادر عن منظمة ذات صفة اعتبارية دولية. أخيراً هل خُنْتُ توقُّعات القارئة والقارئ أو خيَّبتُ ظنّهما بما خلقته من توقُّع في مقالي الأسبوع الماضي بأن تتمة المقال قد تشمل مشاهداتي في مدينة الضباب خريفاً، وقد وصلني عدد من الرسائل الإلكترونية تتشوَّق للبقية. يبدو أن الأمر لا يخلو من مثل هذه الجنحة، ولكن ماذا عساي أن أفعل وحتى في الرحلات الخاطفة لا نستطيع التحلُّل من الالتزام بالأولويات؟! على أنه دون وعد قاطع قد أعود للندن خريفاً بحبر الأخيلة فأكتب عنها يوماً ما أو على الأقل أدخلها في مخطوطة (كمين الأمكنة) إن سنح العمر المزدحم بديون الأحلام. هذا ولله الأمر من بعدُ.
Fowziyah@maktoob.com |
|
|
| |
|