| |
ثلاثة أيام في الباحة (1-3) قراءة عامة في وقائع الملتقى الثقافي الأول في نادي الباحة الأدبي د. يوسف بن حسن العارف (*)
|
|
جميل وبهيج هذا الحراك الثقافي الذي أنجزه نادي الباحة الأدبي على امتداد أيام ثلاثة. ثقافة وإبداع وتلاق وإمتاع، وتلاقح أفكار وتنام وانصهار بين ومع مثقفي الوطن ومثقفي المنطقة وجيل مستنير من الشباب أبناء الباحة، ونماذج واعدة من سيدات مبدعات شاركن بكل فاعلية وعطاء. أيام ثلاثة تواشج فيها التاريخ مع الإبداع في حوارية نابهة يقودها مثقفون ومثقفات أضفت على المنطقة الوادعة - مع دخول فصل الشتاء - دفئا وحميمية وجدنا صداها في كل منعطف وزاوية، وعبر الفندق الذي تقام فيه الفعاليات، والمقهى الجبلي الذي تحول - بفعل هذه التظاهرة الثقافية - إلى منتدى ثقافي يضم في إحدى (موتيلاته) جميع المثقفين الضيوف مع كوكبة من مثقفي المنطقة. أيام ثلاثة والمشهد الثقافي السعودي يضيء فكراً، ويوثق معلومة، ويضيف رؤى ثقافية ناجزة تحتضنها (الباحة) - الطبيعة، الباحة - الإنسان الباحة - الجمال والشاعرية، فلا نستغرب من هذا الحضور المتألق، والنشاط الذهني المتوقد الذي قد يطلع عليه المتلقي عندما تطبع كل أعمال هذا الملتقى الأدبي. أقول هذا وأنا أودع هذا الملتقى في ذاكرتي بكثير من الجمال والألق والأخوة الثقافية التي أتاحها لنا نادي الباحة الأدبي رئيساً وأعضاء مجلس الإدارة ومثقفات المنطقة عبر أيامه (16- 18-10-1427هـ). إن توجه الأندية الأدبية مؤخراً إلى إقامة هذه الملتقيات الثقافية أمر محمود، وفعل ثقافي يحمل في طياته التجديد ومسايرة العصر ومطالب المثقفين. فوق أنه تصور جماعي يحدث حراكاً ثقافياً متميزاً من خلال اجتماع ثلة من المختصين حول دائرة حوارية هادفة تجعل من الإبداع المطبوع والمنشور افقا منشودا لسبر أغواره والتماهي مع معطياته عبر آلية نقدية سوية على يد مبدعين متألقين مثل هذه الأسماء التي شاركت في هذه التظاهرة الثقافية. فمنذ اليوم الأول وحفل الافتتاح تتألق الكلمات الخطابية والقصائد الترحيبية التي تخرج عن فضاء الاحتفاء المعتاد إلى ما يشبه الدرس النقدي الحديث. خذ مثلاً كلمة الضيوف التي ألقاها الزميل الدكتور صالح زياد حيث تحولت تحيته الشاكرة إلى ورقة عمل تؤسس لفكر الملتقيات على أنها مشروع للحوار والدرس والفهم والوعي الذي ينمو ويتجدد ويتحرك ويتقدم!!وكذلك كلمة اللجنة التحضيرية التي ألقاها التربوي والأديب الدكتور سعيد أبو عالي التي تشكلت في ورقته كمؤشرات ثقافية يخطط الملتقى لبلوغ أقصى غاياتها المعرفية والثقافية عبر أهداف ومعطيات ركز عليها وأكدها في تلك الكلمة. ولعل ما لفت ذهنيتي الناقدة تلك الأطروحات التاريخية التي شارك فيها الزميلان الدكتور غيثان جريس والدكتور ضيف الله الزهراني حيث اعتمدا في طرحهما التاريخي على الدرس من منظور أفقي بحيث يكون المسح التاريخي لفترات وحقب تاريخية طويلة زمناً وأحداثاً. دون التعمق في المنظور الرأسي أي الحفر العميق في إحدى الإشكالات التاريخية لمنطقة الباحة. وهذا يدعوني إلى اقتراح رؤية كتابية جديدة للتاريخ من خلال ما أسميه (تفتيق النص التاريخي) واستكناه أحداثه وتحويلها لفعاليات تاريخية تعمق الوعي بالتاريخ واستلهام العبر والأبعاد المخبوءة في تلك التاريخية المنجزة مسبقاً. والمسألة الثقافية الثانية التي تجلى فيها هذا الملتقى هي ما أسميته بمساء الكشف والإشهار. فقد كانت أوراق العمل - أو كثير منها - مفاجئة جداً بمحاورها التي أفضت إليها. ومن ذلك الكشف والإشهار: * د. أميرة الزهراني ومنى الغامدي اللتان شكلتا حضوراً نسائياً مبهجاً وبما قدمتاه من أوراق عمل أو مداخلات ومناقشات فيها من الوعي النقدي والأفق المعرفي ما يجعلني مبتهجاً بالمستقبل الذي ترنوان إليه وستصلان إن شاء الله. * حضور المبدع الروائي عبدالعزيز مشري- رحمه الله- من خلال مجموعة من أوراق العمل، وهذا في حد ذاته كشف مبهر لإبداع المشري الذي حضر فعلاً وغاب النقاد الذين قدموه أو حضروا على ضفافه!! وكذلك حضور المبدع علي الدميني عبر ورقة الأستاذ عبدالله الزيد وهو حضور يذكر أبناء الباحة ومثقفيها بإقامة ثقافة غامدية لن ينساها المشهد الشعري والثقافي السعودي. * إبراز شعراء جدد: محمد خضر الغامدي، عبدالرحمن آل سابي، مسفر العدواني، وذلك فيما قدمه كل من الدكتور حافظ المغربي والباحثة منى الغامدي.. إن مساء الكشف والإشهار لا ينتهي إلا بالإبهار الذي قدمه الناقد معجب الزهراني في ورقته التي خرجت عن كل المحاور المتفق عليها في الملتقى ليناقش مسألة معرفية غاية في الأهمية وهي التناقض في النظر إلى المرأة من خلال مجموعة من الأدبيات الفقهية مما أدى إلى خلل سلوكي في التعامل مع المرأة (دونية مفرطة وتعاطف جنسوي). بقي أن أقول: إن هذا الملتقى فاتحة خير وبركة ثقافية على الباحة ومثقفيها الذين تكاتفوا وأبدعوا لإنجاز هذه التظاهرة، ولو وجدت زخماً إعلامياً، وتكثيفاً دعائياً لاكتملت الصورة وتدانى مشرفو التعليم وطلاب الكليات والنساء المثقفات اللواتي غبن عن هذا الملتقى بشكل غير مبرر. ولكن الذي عوض ذلك كله هو ذلك المنتدى الثقافي الحواري الذي كان يعقد ثنائياً - في ردهات الفندق - أو جماعياً في مقهى الموتيل ليضم خيرة مثقفي الباحة: د. علي الرباعي، غرم الله الصقاعي، أحمد سالم عثمان، عبدالرحمن سابي وغيرهم كثير كنا نتعاطى معهم الهم الثقافي من بعد الساعة العاشرة وحتى الهزيع الأخير من الليل يتوجه كثير من المداعبات والتداعيات الثقافية والحوارات المبهجة، ولعل آخرها ذلك الحوار الهادف والبناء الذي أداره الزميل الدكتور محمد ربيع حول علاقة المثقف بالنادي الأدبي. وأخيراً فالشكر لكل القائمين على الملتقى ولكل مثقفي ومبدعي الباحة الذين احتضنونا بكل دفء وحميمية وصداقة ثقافية جعلتنا نسجل هذه الأيام الثلاثة في ذاكرة تستعصي على النسيان. والحمد لله رب العالمين الباحة فندق قصر الباحة مساء يوم الأربعاء 17-10-1427هـ.
(*) عضو النادي الأدبي في جدة - الشيخ عبدالمقصود خوجة
|
|
|
| |
|