| |
ظاهرة جهالة المؤلف؟
|
|
قال عبدالله بن عمرو بن العاص: إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا، أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، وفي لفظ للدارمي: يوشك ان يظهر شياطين قد أوثقها سليمان يفقهون الناس في الدين، وأخرج مسلم أيضاً عن أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم، وأخرج مسلم أيضاً عن عبدالله بن مسعود قال: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث، ولهذا اعتنى السلف بنقد الرواية والتثبت في نقل العلم، وحذروا من الأخذ عن المجاهيل والتلقي عنهم إلا على وجه الاعتبار والنظر في المتابعات والشواهد، فقد روى مسلم في مقدمة صحيحه، والترمذي في خاتمة الشمائل والدارمي عن محمد بن سيرين قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، وهذه قاعدة مشتهرة عند السلف وأهل العلم عموماً، وروى مسلم أيضاً والترمذي في العلل الصغير والدارمي عن ابن سيرين قال لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم، وروى مسلم عن سليمان بن موسى قال قلت لطاوس إن فلانا حدثني بكذا وكذا، قال: إن كان صاحبك مليئاً فخذ عنه. وروى مسلم أيضاً عن عبدالرحمن ابن ابي الزناد عن أبيه قال أدركت بالمدينة مئة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله، وهذا ديدنهم وهجيراهم في الرواية والسماع. ولقد برزت ظاهرة غريبة لا داعي لها ولا مسوغ كانت محل رد وتحذير من سلفنا الصالح وعلمائنا الأجلاء، ثم ما لبثت أن صارت ظاهرة مستساغة بل معتمدة! فقد رأيت من يجمع شتاتها في ملفات وإضبارات لتكون عنده مرجعاً يستفيد منه كلما احتاج! ورأيت ورأى غيري من يوزعها على المصلين في المساجد ليتفقهوا في الدين! إنها ظاهرة المطويات المجهولة المصنف التي يكتب على طرتها: (إعداد: القسم العلمي في الدار)! والقائمون على هذا القسم مجهولون جهالة إبهام وهي اشد اواعي الجهالة، فإن الجهالة ثلاثة انواع: إما إبهام كأن يقول عن رجل ولا يسميه، أو جهالة عين وهو ان يسمي رجلاً لا يعرفه إلا رجل واحد، ولا يعرف بجرح ولا تعديل، أو جهالة حال وهو المستور وهو من روى عنه اثنان فأكثر، ولم يعرف بجرج ولا تعديل، وكل هؤلاء (اعني مجهول العين ومجهول الحال والمبهم) كلهم مردود الرواية عند نقاد الحديث وحديثهم ضعيف لا يحتج به، ولا يقبل قوله في دين الله تعليماً وإفتاء ووعظاً. فأهل العلم لا يأخذون العلم ولا ينشرونه إلا عن أهله الذي عرفوا به، وكانوا يسندون أقوال العلماء بالأسانيد ويجمعون في ذلك المصنفات الكبيرة إما مفردة أو مجموعة مع الأحاديث النبوية كمصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور وجامع حماد بن سلمة وجامع سفيان الثوري وجامع وكيع بن الجراح وسنن البيهقي الكبرى وغيرها كثير مما صنف في نقل ورواية أقوال وفتاوى العلماء كعنايتهم برواية الحديث كل ذلك ليتوثقوا فيها ولهم في ذلك عناية كبيرة تدهش من نظر فيها حتى إنهم لينقدون الرواية عن الفقيه بإسنادها ومتنها كما ينقدون الحديث النبوي بإسناده ومتنه ليتوثقوا من ثبوته، روى الإمام مسلم عن الإمام عبدالله بن المبارك قوله: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وكان يقول: بيننا وبين القوم القوائم، يعني الإسناد، وكان السلف ينتقصون الذي لا يتوثق لدينه وتسقط روايته عندهم مهما بلغ، وكانوا يعرفون لطلاب العلم قدرهم وجهدهم في الطلب وكانوا يكرهون الإتيان بغرائب العلم ويحرصون على السير على طريق السلف. وقد نبه إلى ضرورة التوثق في العلم والتلقي فقهاء الإسلام فقرروا في كتبهم الأصولية والفروعية ضرورة النظر في حال المفتي وصلاحه للأخذ عنه والتحري في ذلك، بل يحكمون بالحجر على المفتي الجاهل الذي يضلل الناس أو المفتي الماجن الذي يفتيهم بالحيل الباطلة، ويمنعونه من الفتوى ويمنعون الناس من الوصول إليه ويحذرون منه، قال الشيخ علاء الدين المرداوي في كتاب الإنصاف: ولا تصح الفتوى من مستور الحال على الصحيح من المذهب وقيل: تصح. ا.هـ. وهذا في مستور الحال الذي عرف شخصه ولم يعرف عنه ما يخل به أي لم يعرف بجرح ولا تعديل فكيف بمجهول العين أو المبهم الذي لا يعرف شخصه! فذاك أشد منعاً. وقد كانت عناية العلماء بتتبع العلم والتفتيش عنه والتثبت في الرواية ومعرفة المصنفين ورواية الكتب والمسائل شيئاً عظيماً مدهشاً، فهذا أبو بكر الخلال يرحل المسافات الطوال ويلقى العلماء من تلاميذ الامام أحمد بن حنبل ليجمع مسائله وفتاويه ويتوثق من صحتها، وهذا إسحاق الكوسج يسمع المسائل ويعرضها على أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، ويقيد آراءهم ثم يرويها للناس في خراسان، ولما سمع أن الإمام أحمد تراجع عنها حملها على ظهره ورحل إلى بغداد ليتوثق منها فيعرضها مرة أخرى عليه، وصارت بعد ذلك عمدة للناس، وهذا المنهج هو السائد إلى زمن قريب جداً فما بالنا نغيره بأيدينا بهذه الأساليب الغريبة على ديننا بل جاءتنا من غيرنا من القوم الذين لا يتوثقون في علومهم وأديانهم، الذين وصفهم الله بأنهم ضالون!! وإذا كان المقصود من هذه الكتابات تسهيل العلم وتقريبه للناس فليكن عن طريق أهل العلم المعروفين الذين لهم المشاركة في الفتوى والدعوة، والبلد و-لله الحمد- مليئة بكبار العلماء وطلاب العلم المعروفين بالعلم والامانة، فليكن ذلك من تصنيفهم، وليطلب منهم الكتابة في الموضوعات المناسبة، ففي هذه الطريقة في نظري حفظ لنظام الشريعة ونشر للثقة في نفوس الناس، وإبقاء للناس على النهج الأول العتيق الموروث عن السلف ألا وهو منهج التلقي عن أهل العلم المعروفين عيناً وحالاً فإن هذه الأمة أمة إسناد وعلومها مسندة موثقة قال الله تعالى: {وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}(79) سورة آل عمران وقال: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل. وإني لأعجب من هذا الصنيع أعني إبهام المصنف! ما داعيه وما هي الضرورة إليه، ومن المستفيد منه!؟ مع ما فيه من المحاذير وقلة النفع، فإن الناس لا يثقون إلا بمن يعرفون، فقد صح فيما أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن ابن عمر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: (عليك بالعلانية وإياك والسر), وفق الله الجميع لما يجب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وصحبه وآله وسلم.
كتبه / سعد بن شايم الحضيري - عضو الدعوة في عرعر
saadshaim@hotmail.com |
|
|
| |
|